في المشهد السياسي الراهن، يواجه الإسلام السياسي بشقيه السني والشيعي لحظة فارقة يمكن وصفها بأنها المرحلة الأخيرة في دورة حياته السياسية.
هذا التيار الذي تصدر المشهد في مراحل اضطراب ما بعد الاستقلال، وبلغ ذروته بعد “الربيع العربي”، يشهد اليوم تآكلاً وظيفياً، وفشلاً في التجديد، وانهياراً في الثقة الشعبية.
لقد بُني الإسلام السياسي على ثلاث ركائز .
الخطاب الديني كأداة تعبئة،
الاستثمار في هوية مهددة أو مضطهدة،
اللعب في فراغ الدولة الوطنية وضعفها .
لكن ما كان يبدو يوماً كطوق نجاة للشعوب الباحثة عن بديل، تحوّل تدريجياً إلى عبء وجودي على المجتمعات والدول. ففي العراق ولبنان وسوريا واليمن وحتى في بعض التجارب المغاربية، كشف الواقع أن الإسلام السياسي لم يكن مشروع دولة، بل مشروع سلطة مغطى بالقداسة، لكنه عاجز عن تقديم نموذج حضاري قابل للاستمرار .
الانكشاف الشعبي: من التأييد إلى الرفض
الانتفاضات الشعبية التي اجتاحت بغداد وبيروت وطهران لم تكن موجهة ضد “الآخر”، بل ضد الداخل الإسلامي السياسي الذي حكم وفسد وقمع. لقد رأينا كيف تحوّل “أبناء المرجعيات” إلى تجار دم ومقاولات وميليشيات. رأينا “ثوار الحسين” يعتقلون ويعذبون ويغتالون باسم الله.
هذا السقوط الأخلاقي أطاح بالهالة التاريخية التي صنعها الإسلام السياسي عن نفسه، والتي استثمر فيها لعقود. ومع تكرار التجربة، باتت الشعوب تدرك أن ما قُدم لها تحت شعار الشريعة أو المظلومية أو المقاومة، لم يكن سوى غطاء لمشروع نفوذ وقمع واستحواذ على مقدرات الدولة.
المتغير الدولي والإقليمي: إسدال الستار
من جهة أخرى، تغيرت قواعد اللعبة الإقليمية والدولية. لم يعد الإسلام السياسي أداة مقبولة في معادلة توازن القوى. فالولايات المتحدة، التي كانت تغض النظر عن المشروع الإخواني في مصر وتونس وسوريا، باتت تعتبره تهديداً للاستقرار، بينما تجد إيران نفسها، وهي الحاضنة الكبرى لشيعة الإسلام السياسي، محاصرة ومنهكة ومطاردة من الداخل والخارج.
حتى الحلفاء التقليديون بدأوا بفك ارتباطهم بهدوء. الخليج العربي لم يعد يرى في الجماعات الإسلامية حليفاً مؤقتاً، بل عبئاً طويل الأمد . وتركيا، رغم محاولات التمويه، بدأت تضبط إيقاع علاقاتها بما لا يزعج الكبار، على حساب الإسلامويين .
فشل المشروع: لا دولة ولا حرية ولا عدالة
لم ينجح الإسلام السياسي في أي من وعوده:
لم يحقق الدولة،
لم يصن الحريات،
لم يبنِ عدالة.
بل على العكس، أسس لأنظمة حكم فاسدة، فاشية، طائفية، ومرتبطة بقوى خارجية. بلغة الواقع، هو الآن تيار خارج العصر وخارج الرضا الشعبي وخارج المعادلة الدولية.
موت سريري بانتظار شهادة الوفاة
يمكن القول اليوم إن الإسلام السياسي يعيش مرحلة الموت السريري. قد تبقى بعض الحركات في الواجهة، لكنها خسرت وظيفتها الشعبية والدولية معاً. وما ينتظره هذا التيار هو فقط من يكتب له شهادة الوفاة، والتي لن يخطها خصومه، بل من كانوا يوماً أقرب الناس إليه .