في لحظة إقليمية دقيقة، وتحت دخان التصعيد العسكري في غزة، وقلق متصاعد من المشروع النووي الإيراني، يُعقد في إسطنبول اجتماع فريد من نوعه يجمع إيران مع الدول الأوروبية الثلاث (فرنسا، بريطانيا، ألمانيا)، تحت مظلة ما يُعرف بـ”4+1″. الاجتماع الذي يبدو تقنيًا في ظاهره، يحمل في عمقه أبعادًا خطيرة، قد تضع الشرق الأوسط أمام سيناريوهات تتراوح بين الضبط المرحلي أو الانفجار الشامل.
أولًا: العودة إلى الدبلوماسية أم تمهيد للحرب؟
من حيث الشكل، يبدو الاجتماع محاولة جديدة لإحياء المسار الدبلوماسي حول البرنامج النووي الإيراني. لكن من حيث المضمون، هناك تغيّر واضح في طبيعة الخطاب الأوروبي:
لم يعد الهدف “احتواء” إيران، بل تحذيرها بشدة.
باريس ولندن، تحديدًا، أصبحتا أكثر تقاربًا مع الخطاب الإسرائيلي بشأن الخطر الاستراتيجي لطهران.
أما ألمانيا، فباتت متوجسة من نفوذ إيران في أوروبا، عبر أدواتها الأمنية والدينية.
هذا التحول يعني أن الاجتماع لم يُعقد لتفادي الحرب، بل ربما لمنح الشرعية السياسية والغطاء القانوني لها إذا اندلعت.
ثانيًا: إيران تحت المجهر… ولكن بصمت العواصم
ما يقلق طهران في هذا الاجتماع ليس فقط مضمون الطروحات، بل أن .
الولايات المتحدة غائبة شكليًا، حاضرة فعليًا عبر التنسيق مع أوروبا .
إسرائيل تُمسك زمام المبادرة في المنطقة، وقامت مؤخرًا بتنفيذ ضربات دقيقة ومؤلمة ضد أهداف إيرانية مباشرة .
العرب صامتون… ولكن معظمهم في صف كبح التمدد الإيراني حتى دون إعلان.
كل ذلك يجعل إيران في موقف دفاعي خطير:
فإن أبدت تصلبًا في إسطنبول، تكون قد سارت خطوة باتجاه الحرب.
وإن أبدت مرونة، فهي ستُظهر ضعفًا داخليًا، لا تتحمله في هذه المرحلة.
ثالثًا: هل بدأ العدّ التنازلي للحرب؟
كل المؤشرات تقول: نعم، ولكن بشكل زاحف لا فجائي.
التحشيدات العسكرية الغربية في المنطقة (خصوصًا شرق المتوسط والخليج) ليست للتخويف فقط، بل للجاهزية الميدانية.
الصمت الأمريكي تجاه الضربات الإسرائيلية مؤخرًا ضد أهداف إيرانية يشير إلى تواطؤ أو تفويض ضمني.
انسحاب مواطني الدول الغربية من سوريا والعراق هو مؤشر استباقي لتحرك عسكري قادم.
الصراعات في غزة والجنوب اللبناني تُستخدم كبؤر استنزاف تمهيدية، قبل الضربة المركزية الكبرى .
إذن، نحن أمام مشهد ما قبل الانفجار… اجتماع إسطنبول ليس نهاية الدبلوماسية، بل نهاية وهم إمكانية الرهان عليها في ظل الإصرار الإيراني على التمادي، والتنسيق الإسرائيلي-الغربي على الحسم.
من إسطنبول إلى الحرب… مسافة قرار
اجتماع إسطنبول قد لا يعلن الحرب، لكنه يضع إيران أمام خيارين أحلاهما مر .
التراجع التكتيكي الذي سيفسر داخليًا كهزيمة .
أو الاستمرار بالعناد، وهو ما سيفتح الأبواب لحرب متعددة الجبهات .
في الحسابات الواقعية، يبدو أن القرار الدولي يتجه نحو ضرب إيران في اللحظة المناسبة، والإجماع الأوروبي المتشكل اليوم في إسطنبول ليس إلا التأسيس السياسي لما بعد الضربة .
فالمعركة، كما يبدو، لن تكون دفاعًا عن “الملف النووي”، بل حربًا على مستقبل المشروع الإيراني بأكمله في الشرق الأوسط .