خور عبد الله… قرار المحكمة الاتحادية بين مقتضيات القانون ومصلحة العراق العليا

18

 

أثار قرار المحكمة الاتحادية العليا العراقية، القاضي بشرعية اتفاقية خور عبد الله مع الكويت، جدلاً واسعاً وردود فعل غاضبة داخل الشارع العراقي. فبين من يراه تثبيتاً لوضع قانوني سبق تثبيته دولياً، ومن يعتبره تفريطاً جديداً بحق سيادي عراقي، يظل السؤال الأهم: هل راعت المحكمة المصلحة العليا للعراق ومشاعر شعبه؟ وهل يمكن لأي قرار قانوني أن يتجاوز إرادة أمة؟
أولاً: القضاء بين القانون والسيادة
لا شك أن المحكمة الاتحادية، بصفتها أعلى سلطة قضائية في العراق، تتحرك ضمن أطر دستورية وقانونية. ومن وجهة نظرها، فإن الاتفاقية التي أبرمها العراق عام 2013 مع الكويت، ثم صادق عليها مجلس النواب، هي جزء من التزام الدولة العراقية بقرارات مجلس الأمن، وتحديداً القرار 833 لعام 1993.
لكن الخلاف لا يدور حول قانونية الإجراء، بل حول مضمونه ومآلاته السيادية، خاصة وأن المحكمة – وفق كثير من المراقبين – لم تُعر اهتماماً كافياً لمشاعر الشارع العراقي الرافض لهذا التنازل، ولم تعالج الملف بمنظور استراتيجي شامل.
ثانياً: مصلحة العراق… المعيار الغائب
المشكلة الأعمق ليست في نص الاتفاقية، بل في الظروف التي أُبرمت فيها، والتوقيت الذي صُدّق عليها فيه، والسكوت الطويل عنها. لقد تم توقيع الاتفاقية في لحظة ضعف سيادي، وسط اضطراب داخلي، وصراع إقليمي، وغياب وطني كامل عن ملف الحدود والموانئ.
فهل يجوز تثبيت اتفاق سيادي تمت صياغته في ظل غياب التوازن الوطني؟ وهل يمكن للقضاء أن يتجاهل الإرادة الشعبية، خاصة عندما تكون مرتبطة بقضية تخص الجغرافيا والسيادة؟
هنا تبرز الإشكالية: القانون وحده لا يكفي إن لم يكن منسجماً مع مصلحة الأمة.
ثالثاً: التنازل أم التهدئة؟
لا يمكن إنكار أن هناك من يدافع عن الاتفاقية من منطلق التهدئة مع الكويت، وتجنّب التصعيد مع جيران العراق. وهذا رأي مفهوم في سياق العلاقات الدولية. لكن في المقابل، لا يمكن القبول بأن تكون مصلحة التهدئة مقدَّمة على الحق التاريخي والسيادي، خاصة في منطقة حساسة كخور عبد الله، الذي يمثل شرياناً بحرياً حيوياً للعراق، وله أبعاد اقتصادية واستراتيجية مستقبلية.
والسؤال هنا: هل يُبنى الاستقرار مع الجيران على حساب حق الشعب؟ أم على قاعدة العدالة والاحترام المتبادل؟
رابعاً: موقف مسؤول… لا بد من اتخاذه
بعيداً عن الانفعالات، يجب أن نُقرّ بأن العراق، إذا أراد فعلاً أن يصون مصالحه، فعليه أن يتعامل مع قضاياه الكبرى بمنظور وطني متوازن، يراعي ما يلي:
الالتزام بالمعاهدات الدولية شرطٌ مهم، لكن ليس على حساب الحقوق الثابتة.
القضاء يجب أن يكون حارساً للدستور، لا ممرّاً لتثبيت التنازلات.
الشعب العراقي يجب أن يُصغى له في القضايا السيادية، فالوطن لا يُدار خلف الأبواب المغلقة.
العلاقات مع الجيران يجب أن تبنى على التوازن، لا على الاسترضاء.

لسنا ضد القانون، ولسنا ضد التهدئة، ولسنا دعاة صراع. لكننا نقول بوضوح: مصلحة العراق العليا يجب أن تكون هي الحَكَم في كل قرار. وإن كان القضاء قد حسم الملف قانونياً، فإن التاريخ والشعب والتجربة ستبقى تحاكم هذا القرار سياسياً ووطنياً.
خور عبد الله ليس مجرد اتفاقية. إنه اختبار لإرادتنا، واختبار لوعينا، واختبار لكرامتنا. وما ضاع حقٌ وراءه شعبٌ يطالب به .

التعليقات معطلة.