السلاح خارج الدولة يواجه نهايته الحتمية بلا غطاء شعبي ولا رسمي ولا من مرجعية النجف

9

 

 

مقدمة

يعيش العراق اليوم لحظة مفصلية في مسار العلاقة بين الدولة والسلاح المنفلت. الفصائل المسلحة المرتبطة بطهران، والتي تمددت طيلة العقدين الماضيين تحت شعارات “المقاومة” و”حماية الدولة”، تجد نفسها اليوم أمام واقع داخلي متغيّر، يتمثل بانكشاف تام أمام الشارع، وتآكل واضح لغطائها الرسمي، ورفض صريح من المرجعية الدينية في النجف، التي طالبت مرارًا بحصر السلاح بيد الدولة .

 

الشارع العراقي… من الصمت إلى الرفض

منذ انتفاضة تشرين وحتى اليوم، أصبح الموقف الشعبي من الفصائل واضحًا وصريحًا: لا سلاح خارج الدولة. هذه الفصائل، التي كانت تدّعي تمثيل “المقاومة”، لم يعد الشارع العراقي ينظر لها إلا كقوة فوق القانون، تشكل عائقًا أمام بناء الدولة المستقلة. بل إن الغالبية باتت تعتبرها امتدادًا لمشروع إيراني في العراق، لا صلة له بالمصلحة الوطنية، ولا يعبّر عن المزاج العام الذي يرفض الخضوع لأجندات خارجية.

ومع تصاعد وعي الشارع، وتراجع لغة الخوف، أصبح وجود الفصائل مرفوضًا جماهيريًا، خاصة مع ارتباط أسمائها بعمليات الاغتيال، وقمع الاحتجاجات، والسيطرة على الموارد، والتدخل في القرارات السيادية.

 

لا غطاء رسمي بعد الآن

في المرحلة الحالية، لم تعد الحكومة العراقية قادرة على حماية هذه الفصائل سياسيًا أو قانونيًا. كثير من المسؤولين باتوا يتهربون من الدفاع العلني عنها، وبعضهم بدأ يتحدث بصراحة عن ضرورة حسم ملف السلاح المنفلت. كما أن محاولات إضفاء طابع رسمي عليها من خلال مؤسسة الحشد الشعبي أصبحت مرفوضة شعبيًا، وأحيانًا تُحرج الحكومة نفسها في المحافل الدولية، خاصة في ظل الحديث عن التوازنات الدولية والانفتاح الإقليمي للعراق.

السلاح الموازي لم يعد قابلًا للتبرير، والتمسك به بات يُفهم على أنه تحدٍّ للدولة، وليس دفاعًا عنها. والمؤسسات الرسمية – سواء التنفيذية أو التشريعية – تتعامل مع هذا الملف بحذر شديد، خشية الصدام مع الشارع والمجتمع الدولي في آنٍ معًا.

 

مرجعية النجف… صمتها لا يعني الرضى

ما يُحرج هذه الفصائل أكثر، هو غياب أي غطاء ديني من مرجعية النجف، التي طالبت بشكل واضح في أكثر من مناسبة بتسليم السلاح للدولة، ورفضت كل أشكال عسكرة المجتمع أو تحويل الدين إلى غطاء سياسي للمسلحين. المرجعية، التي يُنظر لها كمصدر للشرعية الأخلاقية والوطنية في العراق، تبنّت منذ سنوات مبدأ الدولة المدنية والسلاح الشرعي، ووقفت على مسافة من كل الفصائل ذات الارتباطات الخارجية.

وصمت المرجعية مؤخرًا ليس حيادًا، بل موقف محسوب، يعني أنها لم تُغير رأيها، بل تراقب عن كثب اللحظة التي يفرز فيها المجتمع خياراته النهائية.

 

القرار الوطني… في مواجهة السلاح الموازي

بات واضحًا أن الدولة أمام اختبار جدي: إما حسم ملف السلاح المنفلت، أو خسارة ما تبقى من شرعيتها. الفصائل تقف اليوم في عزلة سياسية وشعبية ودينية، فيما تزداد الأصوات المطالبة بتفكيك هذه المنظومات المسلحة، أو إجبارها على الانضواء التام تحت راية الدولة، دون استثناءات أو خطوط حمراء.

الوضع لم يعد كما كان سابقًا؛ فقد تغيرت قواعد اللعبة، والمزاج العام لم يعد يقبل بـ”السكوت مقابل الاستقرار”، بل أصبح يطالب بأمن حقيقي لا يُهدده سلاح غير منضبط، ولا تسيطر عليه أجندة خارجية.

 

الفصائل المسلحة الموالية لطهران في العراق دخلت مرحلة حرجة. فالسلاح الخارج عن الدولة لم يعُد يحظى بقبول شعبي، ولا بحماية رسمية، ولا حتى بتأييد من مرجعية النجف التي طالبت مرارًا وبوضوح بحصر السلاح بيد الدولة. ومع استمرار الضغط الداخلي، وتزايد الأصوات الوطنية المطالِبة باستعادة القرار السيادي، تقترب لحظة الحسم . المشهد لم يعُد يحتمل تعدد البنادق… فإما دولة واحدة بسلاح واحد، أو فوضى تستهلك ما تبقى من كيان الدولة العراقية .

التعليقات معطلة.