من يسبق من؟

17

 

إيران تخطط لانقلاب عسكري ناعم في العراق، وأميركا تُحضّر لتغيير شامل.. العراق إلى أين؟
في سباق محتدم بين مشروعين خارجيين، يعيش العراق اليوم لحظة فارقة، تقف عند مفترق طرق حادّ، وسط غياب شبه تام للإرادة الوطنية المستقلة. مشروعان يتصارعان على الأرض العراقية:
مشروع إيراني يقوم على انقلاب ناعم من داخل مؤسسات الدولة.
ومشروع أميركي يستهدف إعادة إنتاج النظام السياسي برمّته. لكن ما يغيب في هذا المشهد هو صوت العراقيين، الذين لم يُمنحوا منذ 2003 فرصة لتقرير مصيرهم بعيدًا عن خيم الخارج وسقوف الوصاية.

الانقلاب الإيراني.. خطوات بلا صخب
المخطط الإيراني لا يحمل ملامح الانقلابات التقليدية. فلا دبابات ولا بيانات عسكرية ولا إغلاق للمطارات، بل خطوات محسوبة تنفّذها فصائل مسلّحة ذات غطاء قانوني، تمتد داخل مؤسسات الدولة وتتمدد عبر أجهزة الأمن والقضاء والاقتصاد.
هذا “الانقلاب الناعم” يتمثل في:
تثبيت الحشد الشعبي كمؤسسة فوق الدولة، له ميزانيته وسلاحه وولاؤه الخاص.
إقصاء كل شخصية غير موالية للمشروع الإيراني، سواء في القضاء أو الجيش أو الدوائر الأمنية.
تطويق القرار الاقتصادي والسياسي عبر عقود وصفقات ومشاريع تديرها شخصيات مرتبطة بطهران.
إيران تدرك أن مشروعها يواجه تراجعًا إقليميًا ودوليًا، وأن الوقت ليس في صالحها، ولهذا تعمل على إحكام قبضتها في العراق قبل أن تُجبر على الانكفاء.

التغيير الأميركي.. بوجه ديمقراطي ونفس استراتيجي
من جهة أخرى، تتحرك الولايات المتحدة بهدوء وثقة، مدفوعة بإدراك عميق بأن ترك العراق بالكامل لطهران لم يعد مقبولاً استراتيجياً، لا في ظل الحرب في أوكرانيا، ولا مع تصاعد التوتر مع الصين.
المشروع الأميركي في العراق اليوم لا يعتمد على القواعد العسكرية، بل على أدوات أكثر نُعومة وتأثيراً:
تقليص نفوذ الفصائل المسلحة عبر مشاورات وضغوطات علنية وسرّية.
دعم وجوه مدنية شابة خرجت من ساحات الاحتجاج، بهدف إعادة تشكيل النخبة السياسية.
إدارة معركة إعلامية استخباراتية مفتوحة لفضح ملفات النفوذ الإيراني والفساد السياسي المرتبط به.
لكن هذا المشروع يحمل في طياته تناقضًا واضحًا: إذ يسعى لتقويض النفوذ الإيراني، دون أن يمنح العراق استقلالاً حقيقياً. إنه مشروع إعادة ترتيب البيت العراقي لخدمة المصالح الأميركية، تحت لافتة “الإصلاح والديمقراطية”.

العراق إلى أين؟
في ظل هذا السباق، يبدو أن العراق مُعرض لفقدان آخر أوراق سيادته. فـإن نجح المشروع الإيراني، فستتحول بغداد إلى نُسخة مطوّرة من بيروت، دولة بلا جيش حقيقي، وقرارها رهينة سلاح غير شرعي . وإن نجح المشروع الأميركي، فقد يدخل العراق في مرحلة وصاية سياسية ناعمة، تُفرض فيها النخب من فوق، ويُعاد إنتاج النظام القديم بمظهر مدني.
لكن بين هذا وذاك، هناك خيار ثالث: أن يسبق العراقيون الجميع، ويستعيدوا زمام المبادرة بأنفسهم. وذلك لا يكون إلا عبر إنتاج مشروع وطني مستقل، لا يستند إلى الخارج، بل ينبثق من الداخل، من وجع الناس وتضحياتهم وآمالهم المؤجلة منذ عقود.

المشهد في العراق ليس إلا انعكاسًا لصراع دولي على مَن يُمسك بمفاتيح الدولة .

إيران تسابق الزمن لتُثبّت انقلابها الناعم،

وأميركا تتحرّك لترتيب تغيير مبرمج .
لكنّ السؤال الأهم يبقى: هل سيبقى العراقيون متفرجين؟ أم أن لحظة السيادة الشعبية قد اقتربت؟
الإجابة ليست في واشنطن ولا في طهران.. بل في بغداد . وفي عيون أولئك الذين ما زالوا يرفضون أن يكونوا حطباً لصراع ليس لهم فيه مصلحة .

التعليقات معطلة.