سيكون الرفض بتشجيع أوكرانيا على القيام بعملية نوعية ضخمة قد تطاول أماكن بعيدة داخل روسيا وموسكو والمدن الكبرى
سعد بن طفلة العجمي وزير الإعلام السابق في الكويت
ترمب وبوتين خلال مؤتمر صحافي مشترك بعد القمة (أ ف ب)
ملخص
الأوروبيون ليسوا في وارد الرفض القاطع، فمواقفهم ليست على درجة الصلابة نفسها تجاه روسيا، وأوضاعهم الاقتصادية متفاوتة، وكل منهم سيفكر بما يمكن أن يحصل عليه من ترمب اقتصادياً في حال موافقته على الصفقة وتقبله الطبخة، سيقرأ بعض الأوروبيين الصفقة وباله يحسب أرقام التعريفة الجمركية الأميركية على صادرات بلاده
قمة استغرقت بين الرئيسين الأميركي دونالد ترمب والروسي فلاديمير بوتين ثلاث ساعات. هذه الساعات الثلاث سبقتها ساعات طوال من اللقاءات المعلنة مثل تلك بين المبعوث الرئاسي الخاص ستيف ويتكوف وبوتين قبل أيام، التي عقدت بموسكو واستغرقت ساعات وأياماً، وكانت هناك لقاءات غير معلنة بين الطرفين في عواصم مختلفة.
على غير عادته الثرثارة، لم يفصح ترمب بكثير بالتصريح الصحافي الذي أعقب القمة. كان تصريحاً مقتضباً أهم ما ذكره فيه أنهم أنجزوا كثيراً لكنهم “لم يصلوا بالأمور إلى نهايتها”. وفي هذا تطمين للأوروبيين الذين أغضبتهم القمة التي استثنتهم، فمجرد اللقاء بين الرئيسين يعد نصراً لبوتين وعزلاً للرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وشقاً لصف “الناتو” بالاستفراد بأكبر أعضائه – الولايات المتحدة الأميركية.
فإلام توصل الرئيسان بقمتهما؟
القارئ للتصاريح والمتابع للتحليلات يقرأ بين السطور ويستشف الآتي:
– اتفقا قبل أن يجتمعا، فلم يجتمع الرئيسان قبل رسم اتفاق مبدئي على نهاية الحرب الروسية – الأوكرانية.
– اتفقا على عدم التصريح عن تفاصيل لسببين، الأول هو حمايته من التأويلات والتخريب، والثاني الإيحاء للأوروبيين بأنهما لن يتفقا من دون مباركتهما، فبعدم التصريح كأنما يقول ترمب للأوروبيين “لا اتفاق من دونكم، ونحن لم نصل إلى اتفاق شامل ونهائي”.
– توصية الرئيس بوتين لترمب بأن لا يسمح للأوروبيين بتخريب الاتفاق هو بيت القصيد: تم الاتفاق، والمهم الآن هو تسويقه.
اقرأ المزيد
قمة الساعات الثلاث: ترمب وبوتين يصفان محادثات ألاسكا بـ”البناءة”
هل تسهم رمزية ألاسكا في إنجاح قمة ترمب – بوتين؟
ترمب وبوتين وجها لوجه في ألاسكا… لمن ستكون الغلبة؟
قبل قمة ألاسكا… بوتين وكيم يتعهدان “تعزيز التعاون”
– سيذهب ترمب للأوروبيين والأوكرانيين “كمراسل” لتسويق الصفقة. بوتين سينتظر ما يتمخض عن جهود “المراسل” والبائع لما تم الاتفاق عليه وكم مما اتفقا على تبادله سيقبل به الأوروبيون.
– طلب ترمب كبائع للصفقة من بوتين تنازلات يقدمها للأوروبيين كي يقبلوا الصفقة. التنازلات الروسية لن تشمل إقليم الدونباس ولوغانسك، وقد تتناول مناطق بخاركيف وسومي، لكنها حتماً لن تتنازل عن شبه جزيرة القرم التي احتلتها عام 2014.
– الرئيس الروسي – كما الأوكراني – سيكونان كبالع الموسى بالتنازلات: لماذا كل هذه الدماء والتضحيات إن كان أحدهما سيتنازل عما حارب من أجله. مهمة بوتين ستكون أسهل من مهمة زيلينسكي الذي حارب من أجل تحرير كل “شبر” من أرض بلاده، فكيف له أن يقبل التنازل عن أقاليم شاسعة وتحوي ثروات هائلة بعد كل التضحيات والحروب والنزوح واللجوء والمآسي؟ تحتل روسيا اليوم ما يقارب خمس مساحة أوكرانيا البالغة 800 ألف كيلومتر مربع، والتنازل عن بعضها مقابل تعهدات شكلية بحماية الروس فيها وحوافز اقتصادية هائلة ورفع العقوبات التي أثقلت كاهل الاقتصاد الروسي، وضمان عدم دخول أوكرانيا حلف الناتو، هي أثمان يمكن تسويقها من قبل الكرملين ويمكن للشعب الروسي تقبلها.
كيف يمكن للأوروبيين حرق الطبخة؟
يمكن للأوروبيين رفض الصفقة-الطبخة التي تطبخ على نار هادئة باردة في ولاية ألاسكا الباردة. ويكون هذا الرفض بتشجيع أوكرانيا على القيام بعملية نوعية ضخمة قد تطاول أماكن بعيدة داخل روسيا وموسكو والمدن الكبرى، شبيهة بعملية “شبكة العنكبوت” التي ضربت القاذفات الاستراتيجية الروسية في يونيو (حزيران) الماضي والتي كبدت روسيا خسائر بالمليارات وسببت لها هزيمة نفسية محرجة. مثل هذه العملية يمكن أن تسبب حرجاً وغضباً لدى الكرملين يعرقل الصفقة ويؤدي لتعثرها.
لكن الأوروبيين ليسوا في وارد الرفض القاطع، فمواقفهم ليست على درجة الصلابة نفسها تجاه روسيا، وأوضاعهم الاقتصادية متفاوتة، وكل منهم سيفكر بما يمكن أن يحصل عليه من ترمب اقتصادياً في حال موافقته على الصفقة وتقبله للطبخة، سيقرأ بعض الأوروبيين الصفقة وباله يحسب أرقام التعريفة الجمركية الأميركية على صادرات بلاده. وبذا سيبقى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي معزولاً مع تراجع شعبيته وتزايد النقمة الشعبية على فساد إدارته وإثراء حكوماته غير المشروع من صفقات السلاح والمساعدات الهائلة التي انهالت على أوكرانيا من أميركا وأوروبا واليابان وكوريا الجنوبية.
وحده ترمب يتطلع إلى نجاح الصفقة، ونضوج الطبخة التي سيضيف لها بهاراته النرجسية المعتادة حول قدراته “الخارقة” على إتمام الصفقات، وصنع السلام، وأهليته للحصول على جائزة نوبل للسلام. فهل تنضج الطبخة في ألاسكا؟ أم أن رياح الخريف القطبية الباردة التي ستهب على الولاية بعد أسابيع ستطفئ نارها وتفسد الطبخة على طهاتها؟