إخلاء مستشفيات غزة… فيلم رعب حقيقي والإخراج إسرائيلي

5

حكومة نتنياهو تطالب الأطباء بخطط إخلاء تشمل المرضى والمعدات ونقلها إلى الجنوب و”الصحة” ترفض
عز الدين أبو عيشة مراسل
تدمير إحدى عيادات أطباء بلا حدود الواقعة قرب مستشفى الشفاء جراء هجوم إسرائيلي (أطباء بلا حدود)
ملخص
لا تزال داخل مدينة غزة ستة مستشفيات تعمل بطاقات محدودة، وهي الشفاء والمعمداني والخدمة العامة والرنتيسي للأطفال والقدس والأردني، ولا يوجد مكان في الجنوب قادر على استيعاب هذه المرافق الطبية.
ضمن استعدادات الجيش الإسرائيلي لأكبر عملياته العسكرية في حربه ضد القطاع، أمرت حكومة بنيامين نتنياهو بإخلاء جميع مستشفيات مدينة غزة ونقل المعدات الطبية إلى مناطق الجنوب، مما أثار الذعر بين صفوف المدنيين الذين يعيشون داخل أكبر مجمع حضري، ودفعهم إلى التساؤل “ماذا ينوي الاحتلال أن يفعل بنا؟”.
قبل ساعات، أقر المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر “الكابينت” خطة نتنياهو لاحتلال مدينة غزة، وأعد قائد الجيش إيال زامير تفصيلية غزو المدينة، وتضمنت ترحيل جميع السكان نحو الجنوب، ثم فرض حصار على غزة وبعد ذلك اجتياحها برياً. ولأجل ذلك استدعى وزير الدفاع يسرائيل كاتس 60 ألف جندي احتياط إضافي للقتال.
اتصالات تحذيرية أولية
قبل ركوب الجنود مدرعاتهم لاحتلال مدينة غزة، اتصل ضباط وحدة تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق الفلسطينية على مديري مستشفيات المدينة، لأمرهم بإخلاء المرافق الطبية تمهيداً لغزو المجمع الحضري عسكرياً.
ونشر منسق الحكومة الإسرائيلية غسان عليان تسجيلاً صوتياً لمكالمة مع مسؤول صحي داخل غزة، وجاء فيها “يجب على الطواقم الطبية إعداد خطط لإخلاء كامل للسكان إلى مدينة غزة نحو الجنوب، يجب أن تشمل الاستعدادات خطة لنقل المعدات الطبية من شمال القطاع إلى جنوبه، وتهيئة المستشفيات هناك لاستقبال المرضى والمصابين”.
Gaza hospitals رويترز.jpg
تعرض مستشفى الجراحات التخصصي في غزة للتدمير بعد ضربات إسرائيلية (رويترز)
وقال الضابط أيضاً، “سنوفر لكم مكاناً سواء كان مستشفى ميدانياً أو أي مستشفى آخر، البنى التحتية للمستشفيات جنوب قطاع غزة يُجرى تهيئتها، إلى جانب ذلك نعمل على زيادة دخول المعدات الطبية اللازمة استجابة لطلبات منظمات الإغاثة الدولية”.
رعب المدنيين
هذه المكالمة التحذيرية الأولية بثت الرعب في قلوب سكان غزة، وأثارت ذعراً كبيراً بين الجرحى والمرضى في المستشفيات حول مصائرهم. وجعلت القلق والتوتر يتسللان لأجساد العاملين الصحيين حول مصيرهم، إذا كان الاعتقال أو القتل.
يقول المواطن هيثم “نعيش في فيلم رعب على رغم أنه حتى اللحظة لم تبدأ إسرائيل تنفيذه، وكل ما ينشر حالياً مجرد إعلان تشويقي لرعب قادم إلى مدينة غزة”. ويضيف “إسرائيل تنوي ترحيلنا قسراً بقوة القذائف وأزيز الرصاص وتحرك المدرعات، وتهدد الذين يرفضون النزوح بالحصار والجوع وتتوعدهم بعدم العثور على أية خدمات، لا مستشفيات ولا مياه ولا طعام فقط موت”.
867d5647-e95d-4863-a395-ef6a72030340.jpg
يعيش المدنيون في حال رعب منذ أوامر إخلاء مدينة غزة (مريم أبو دقة)
ويمضي في حديثه “حكومة نتنياهو تخطط لتدمير شامل للمدينة، وتنوي سحق أي كائن لا يرغب في الرحيل من غزة، ما فهمته من مكالمة الضابط للمسؤول الصحي أن الذين يبقون في المدينة مصيرهم الموت فقط إذا أصيبوا بجراح أو بأمراض أو بسوء التغذية والجوع المميت”.
من جانبه، يقول الجريح مؤمن “بما أن إسرائيل أمرت بإخلاء المستشفيات فهذا يعني أنني لن أجد طبيباً يعالجني ولا دواء يسكن وجعي، ولا حتى أشخاصاً يرافقونني في رحلة التعافي. يخطط نتنياهو لأضخم عملية عسكرية منذ إعلان دولته”.
أما الطبيبة خلود فتقول “الأطباء يشعرون بأن مصيرهم سيكون الموت إذا قرروا البقاء داخل مدينة غزة، جوعاً أو رمياً بالرصاص ولربما أيضاً الاعتقال، لأنه من المؤكد أن الجنود سيقتحمون المرافق الطبية ويخرجونها عن الخدمة أثناء غزو المدينة، وحينها لن ينجو العاملون الصحيون من الاعتقالات كما حدث قبل ذلك”.
الإخلاء مرفوض
على رغم الأوامر العسكرية شديدة اللهجة رفضت وزارة الصحة الفلسطينية إخلاء المستشفيات، ويقول مدير عام وزارة الصحة في غزة منير البرش “لن نستجيب لقرار الإخلاء، إنه يحرم أكثر من مليون غزي من العلاج”.
وينبه إلى أن “إسرائيل تعمل على كسر الروح المعنوية للطاقم الطبي، الذين يدركون جيداً ما حدث مع زملائهم عندما رفضوا إخلاء مدينة غزة خلال المرة الأولى، وحينها ارتكبوا مجازر بحقهم وبحق المرافق الطبية، والآن الأطباء مؤمنون بأن ذلك مصيرهم في حال عدم الاستجابة لأوامر الإخلاء”.
d13c819e-318e-442c-8d20-381027835e93.jpg
يرفض الفلسطينيون مغادرة مناطق تواجدهم في مدينة غزة (مريم أبو دقة)
ويوضح البرش أن أوامر بنقل المعدات إلى جنوب القطاع هي حكم بالإعدام على 9 آلاف مريض، وتهديد لحياة مئات الآلاف من سكان القطاع في حال بدأ الغزو البري، لافتاً إلى أن الخطة الإسرائيلية بمثابة أكبر إبادة جماعية حقيقية في العصر الحديث.
ولا تزال في مدينة غزة ستة مستشفيات تعمل بطاقات محدودة، وهي الشفاء والمعمداني والخدمة العامة والرنتيسي للأطفال والقدس والأردني، وهنا يؤكد البرش أنه لا يوجد مكان في الجنوب قادر على استيعاب هذه المرافق الطبية.
ويلفت الانتباه إلى أن “إسرائيل تنتهج سياسة الإرهاب ضد العاملين ضمن القطاع الصحي، إذ بدأت باتصالات هاتفية لتهديد الأطباء وأسرهم، ثم لجأت إلى تطويق المستشفيات واستخدام الطائرات المسيرة لبث الرعب بين الطواقم، وصولاً إلى اعتقال من بداخلها وارتكاب مجازر بحقهم”.
تصميم إسرائيلي
غضبت المؤسسات الدولية من أوامر إخلاء المستشفيات، إذ يقول مفوض “الأونروا” فيليب لازاريني “لدينا سكان في حال ضعف شديد، وسيواجهون عملية عسكرية كبيرة جديدة، لن يمتلك كثر منهم القوة الكافية لتحمل نزوح جديد، لن ينجو كثير منهم”.
وقال المتحدث باسم اللجنة الدولية للصليب الأحمر كريستيان كاردون “تصاعد الأعمال العدائية داخل غزة يعني مزيداً من القتل، ومزيداً من النزوح ومزيداً من الدمار ومزيداً من الذعر، غزة مكان مغلق لا مفر منه، حيث يتضاءل الوصول إلى الرعاية الصحية والغذاء والمياه النظيفة”.
Gaza hospitals نيويورك تايمز.jpg
أطباء يعدون أوامر نقل المعدات إلى جنوب القطاع هي حكم بالإعدام على آلاف المرضى (نيويورك تايمز)
لكن إسرائيل تبدو مصممة على قتالها في غزة، إذ يقول قائد الجيش الإسرائيلي إيال زامير “قواتنا تمضي قدماً في الهجوم المخطط له، والذي يهدف إلى السيطرة على المدينة وطرد ’حماس‘ من معاقلها المتبقية داخل المنطقة”.
قطع آخر شريان حياة
ما هو مقلق في أوامر إخلاء المستشفيات ثلاثة أمور، يقول عنها الباحث الطبي ضرغام أبو السبح “قد تكرر إسرائيل تدمير المستشفيات وقتل الطواقم الطبية والمرضى واعتقال بعضهم، وحرق المرافق الصحية كما حدث في العملية العسكرية الأولى خلال عام 2023”.
ويمضي في حديثه “يعني هذا الأمر العسكري أيضاً وقف جميع الخدمات عن المدينة، وعادة يعني أمر إخلاء المستشفيات قطع آخر شريان حياة للذين يرفضون النزوح، ولذلك آثار مُخيفة منها أن مصيرهم الموت فقط إما جوعاً أو قصفاً أو مرضاً أو حتى نزفاً بعد إصابة”.
ويوضح أن الأمر الثالث يتمثل في احتمال تدمير المستشفيات، وذلك ضمن خطة هدم غزة وسحق مبانيها لقتل الحياة هناك وخلق بيئة مشجعة للهجرة الطوعية.
اقرأ المزيد
وثيقة إسرائيلية: خيارات النجاة أو الغرق في وحل غزة
استقالة وزير خارجية هولندا من حكومة تصريف الأعمال بسبب غزة
ألاعيب نتنياهو… لم يرسل وفدا للتفاوض ويهدد غزة بجهنم
الصم في غزة… أمل النجاة بقوارب الإشارة
من أبرز ما ارتكبته إسرائيل بحق مستشفيات غزة كانت محرقة مستشفى الشفاء، عندما قام الجنود بالحفر في أرض المستشفى ودفن الأطباء والشهداء فيها، وبعد ذلك وضع عدد من المرضى والكوادر الصحية داخل أبنية المرفق الطبي وحرقهم مع المستشفى بالكامل، وفق شهادات عاملين ضمن القطاع الصحي.
وشملت الانتهاكات الإسرائيلية أيضاً حرق وتدمير الأجهزة الطبية داخل مستشفى كمال عدوان، وجرف الضحايا والجرحى في حفرة واحدة وأهال الجنود عليهم التراب، وهو ما يتوافق مع اتهام الأمم المتحدة لها بارتكاب “إبادة جماعية”.

التعليقات معطلة.