بعد أكثر من عشرين عامًا على سقوط النظام السابق، يعيش العراق أزمة سياسية خانقة تتجسد في فساد السلطة وتبعيتها، وعجز المعارضة عن تقديم بديل حقيقي. وفي خضم هذه الأزمة، يخرج بعض من يدّعون المعارضة بخطابات تصب جام غضبهم على الشعب نفسه، واصفين إياه بالمنبطح أو الخانع. خطاب كهذا لا يُنقذ وطنًا، بل يُعمّق الجراح ويفقد الناس ما تبقى من ثقة فيمن يُفترض أنهم صوتهم .
الشعب العراقي لم يكن يومًا خانعًا. هو الذي قدّم الدماء والضحايا على مدى عقود من الحروب والحصار والاغتيالات والقمع. لكنه اليوم يفتقد قيادة وطنية صادقة تُترجم غضبه ومعاناته إلى مشروع إنقاذ حقيقي. إن اتهام الناس بالتخاذل ليس سوى عجز من المعارضة نفسها، التي لم تستطع طوال عقدين أن توحّد صفوفها أو أن تطرح رؤية واضحة للمستقبل.
المعارضة الحقيقية لا تكتفي بالتصريحات من المنافي ولا بجلد الضحية بدل مواجهة الجلاد، بل تسعى إلى إعادة بناء ثقة الشارع بها، عبر رؤية وطنية جامعة، وخطاب مسؤول، وعمل منظم يقنع الناس بأنها مؤهلة لقيادة التغيير. أما الاكتفاء بإلقاء اللوم على الشعب، فلن يُنتج سوى عزلة أكبر، وانفضاض الناس من حولها، وترك الساحة فارغة أمام سلطة الفساد والتبعية.
إن الطريق إلى خلاص العراق لن يُرسم باللوم ولا بالخطابات الجوفاء، بل بالمسؤولية الصادقة والالتفاف حول مشروع وطني جامع. الشعب قدّم تضحيات عظيمة، والكرة اليوم في ملعب المعارضة: إما أن تنهض بمشروع واضح يقود الناس نحو الإنقاذ، أو تبقى مجرد صدى بعيد يضاعف يأسهم.
هذه لحظة تاريخية فارقة: على المعارضة أن تختار بين أن تكون جزءًا من الحل أو أن تبقى جزءًا من المشكلة. وكفى جلدًا للشعب… فقد آن الأوان أن يكون الخطاب معه لا ضده، وأن يتحول الكلام إلى فعل، والأماني إلى مشروع، واليأس إلى أمل .