وأخيراً، خرجت طهران لتكتشف أن “الحليف الاستراتيجي” في الكرملين ليس ملاكاً حارساً، بل سمسار يجيد البيع والشراء، حتى لو كان الزبون هو تل أبيب. الاتهام الإيراني الرسمي لموسكو بتسريب معلومات حساسة إلى إسرائيل خلال حرب الاثني عشر يوماً، ليس سوى لحظة صحو متأخرة: فروسيا لم تكن يوماً في جيب طهران، بل كانت تؤجّرها بالساعة، وتبيعها بالمزاد.
حلفاء بالقطعة
لطالما وصفت إيران تحالفها مع روسيا بأنه “تحالف الممانعة في وجه الغرب”، لكن الأحداث كشفت أن الأمر أقرب إلى تحالف “الدليفري”: موسكو توصل السلاح متى شاءت، وتسلم المعلومات لمن يدفع أكثر. الروس ليسوا رفاق خندق، بل رفاق مصلحة، يبيعون صور الأقمار الصناعية في النهار، ويشربون الفودكا مع الإسرائيليين في الليل.
خذلان الحلفاء عبر التاريخ
لم تكن إيران أول من تختبر سياسات موسكو المرنة تجاه الحلفاء. صدام حسين غرق وحيداً بعد غزو الكويت، والقذافي وجده الروس بعيداً حين اشتدت الضغوط الغربية، وآخرهم بشار الأسد الذي حصل على دعم محدود وظرفي فقط، مع تناقضات في المواقف والوعود. اليوم، تأتي طهران لتكتشف نفسها في نفس المسرحية: موسكو وعدت بالدعم، وطهران صدقت… حتى اكتشفت أن الدعم جاء على شكل خرائط للعدو وأدلة جاهزة لتسليمها لإسرائيل.
حرب الـ12 يوماً: فضيحة مدفوعة الثمن
خلال تلك الحرب القصيرة، كانت الضربات الإسرائيلية دقيقة لدرجة جعلت الإيرانيين يتساءلون: هل باتت تل أبيب تقرأ أفكار الجنرالات في طهران؟ الإجابة أتت سريعة: لا، لكن يبدو أن موسكو قرأت أفكارهم وباعتها بالجملة.
طهران بين الطعنة والابتسامة
المفارقة أن طهران لا تستطيع أن تصرخ بوجه موسكو كما تصرخ بوجه واشنطن أو لندن. هنا لا مكان للشعارات النارية، ولا لـ”الموت لروسيا”. كل ما تستطيع فعله هو التلميح والابتلاع، وكأن الطعنة الروسية أقل ألماً من الرصاصة الأميركية.
التحالف الروسي–الإيراني لم يكن يوماً أكثر من زواج مصلحة على فراش متصدع. اليوم، بعد الاتهامات الرسمية، بات أشبه بزواج فاشل: أحدهما يسرّب أسرار البيت للجار، والآخر يتظاهر بأنه لم يسمع شيئاً. وبين هذا وذاك، من يراهن على موسكو كعروس وفية، عليه أن يتوقع أن يجد نفسه في ليلة الدخلة… وحيداً!