من اتفاق الأمل إلى خيبة الواقع
في صيف عام 2015 وُلد الاتفاق النووي بين إيران ومجموعة (5+1) كصفقة تاريخية، اعتبرها الغرب أداةً لاحتواء البرنامج النووي الإيراني، ورآها الإيرانيون بوابة لفك العزلة وإعادة الاندماج في الاقتصاد العالمي. لكن الانسحاب الأميركي عام 2018 بقيادة الرئيس دونالد ترامب شكّل الضربة القاصمة، إذ أعاد العقوبات وشلّ الاقتصاد الإيراني، بينما حاول الأوروبيون جاهدين إبقاء الاتفاق حيًّا عبر آليات مثل “إنستكس” للتبادل التجاري، لكنهم اصطدموا بواقع إيران النووي المتسارع من جهة، وضغوط أميركية – إسرائيلية من جهة أخرى.
كبح الزناد: العودة إلى المربع الأول
اليوم، حين تعلن أوروبا إعادة فرض العقوبات عبر آلية “كبح الزناد” فهذا يعني:
انهيار الاتفاق النووي عمليًا، بعدما ظلّ الأوروبيون آخر المدافعين عنه.
إعادة تفعيل العقوبات الأممية السابقة، بما يشمل حظر الأسلحة، وتقييد المعاملات المصرفية، وتجميد الأصول.
عزل إيران دوليًا أكثر من أي وقت مضى، خصوصًا مع انزلاقها نحو المحور الروسي–الصيني، ما جعلها في نظر الأوروبيين طرفًا غير موثوق .
إسقاطات تاريخية: الغرب والنظام الإيراني منذ 1979
لدى النظر إلى السياق التاريخي، نجد أن الغرب لعب دورًا مركزيًا في بناء النظام الإيراني بعد الثورة 1979:
دعم أولي مباشر وغير مباشر لإقامة الجمهورية الإسلامية كجزء من استراتيجية احتواء العرب والحد من نفوذهم في الخليج.
الولايات المتحدة وإسرائيل وفرنسا وبريطانيا أسهمت في تدريب وتعزيز الميليشيات الإيرانية لإعادة رسم التوازن الإقليمي لصالح محور طهران.
هذا الدعم التاريخي منح النظام الإيراني قدرة على توسيع نفوذه عبر لبنان والعراق وسوريا واليمن، وتحويل إيران إلى قوة إقليمية لا يمكن تجاهلها.
لكن اليوم، مع إعادة أوروبا فرض العقوبات، يظهر جليًا أن القوى الغربية نفسها التي ساعدت على ولادة هذا النظام أصبحت تراه خطرًا أكبر من كونه شريكًا، مما يضع طهران في مواجهة مزدوجة: ضغط خارجي شديد وتحديات داخلية متفاقمة.
التأثير الداخلي على إيران
إعادة العقوبات ستعمّق أزمات الداخل الإيراني:
الاقتصاد: مزيد من تراجع العملة الإيرانية وارتفاع التضخم.
الشارع: ضغط اجتماعي قد يُفجّر احتجاجات جديدة على غرار انتفاضة “مهسا أميني”.
النظام: حاجة أكبر لتشديد القبضة الأمنية وتوظيف الخطاب “المؤامراتي” لإخماد الغضب الشعبي.
التداعيات الإقليمية: التصعيد أو الانكفاء
إيران غالبًا لن تتراجع بسهولة، وقد تلجأ إلى:
تفعيل أوراقها الإقليمية عبر الفصائل المسلحة في العراق وسوريا ولبنان واليمن.
الضغط على الملاحة في الخليج لإبراز قدرتها على الإضرار بالمصالح الغربية.
لكن أي تصعيد غير محسوب قد يمنح إسرائيل الذريعة لشن ضربات مباشرة، بدعم أوروبي هذه المرة، مما يضع طهران في مأزق مزدوج .
بدايات النهاية؟
إعادة فرض “كبح الزناد” ليست مجرد عقوبات اقتصادية، بل إشارة تاريخية أن الغرب الذي ساعد في تأسيس النظام الإيراني لم يعد يرى فيه شريكًا، بل خصمًا محتملاً. إنها خطوة تدفع النظام الإيراني نحو زاوية ضيقة، وتجعل مسار السقوط أو الانفجار أكثر حتمية. فإما أن يرضخ لمعادلة جديدة أشد قسوة، أو يغامر بمواجهة قد تكون بداية النهاية لمشروعه الإقليمي.