إما الوطن… أو العدم

16

 

أنا لستُ سياسياً ولا قائداً لحزب، ولا أنطق باسم أي جهة أو مشروع. أنا مجرد مواطن عراقي بسيط، عشت كما عشتم مرارة الطائفية، ورأيت كما رأيتم كيف أحرقت أعمارنا. وما زلنا نسمع أصواتاً تدعو للتقسيم والفُرقة. وأقول بوضوح: كل دعوة للتقسيم دعوة غير وطنية، لأنها تزرع الضعف وتفتح أبواب الخراب، ولا تمتّ بصلة لمستقبل العراق الواحد.
يا أبناء العراق… يا سنّة العراق وشيعته، يا أكراده وكل مكوناته، ما قيمتكم بلا عراق واحد؟! حين يسقط الوطن، لن يبقى لأحد منكم مذهب ولا هوية ولا كرامة، بل رماد يتناثر في الريح. العراق ليس غنيمة تُقسَّم بين الطوائف، ولا إرثاً يُوزَّع بين الأحزاب، بل بيتٌ واحد، إذا هُدم فلن يجد أحد فيكم سقفاً يأويه.
على مدى عشرين عاماً، جرّبنا الطائفية وذقنا مرارتها. لم تجلب لنا سوى الدم والفقر والخراب. الطائفية لم تحمِ سنّياً، ولم تنصر شيعياً، ولم تحفظ كرامة كردي. بل جعلت العراق ساحة تُدار من الخارج، ومختبراً لأجندات الآخرين.
إلى دعاة الأقاليم…
اليوم، يخرج علينا من يرفع شعار “الإقليم السني العربي”. نقول لهم بصوت عالٍ: أيها الواهمون! أنتم لا تبنون إقليماً، أنتم تهدمون العراق. أنتم لا تحمون مذهبكم، أنتم تبيعون مستقبل أبنائكم. الإقليم لن يكون حصناً لأحد، بل فخاً يبتلع الجميع. سيحوّلكم إلى مكان هزيل ينهشه الجوار، ويستخدمه الكبار كورقة مساومة. من يرفع اليوم شعار الإقليم كمن يرفع خنجراً ليطعن به وطنه.
ليعلم الجميع: التقسيم يعني الانتحار. يعني أن كل طائفة ستبقى وحيدة، ضعيفة، عارية أمام الذئاب. من يطالب به إنما يسير في طريق العدم، لا طريق النجاة.
الكلمة الفصل
يا شعب العراق، إما أن نكون معاً… أو نُدفن متفرقين. إما أن نرفع علم العراق الواحد فوق رؤوسنا… أو نرفع الرايات السوداء فوق مقابرنا. لا تسمحوا لأحد أن يخدعكم بشعار الإقليم أو الطائفة. فالعراق أكبر من كل الطوائف، وأبقى من كل الأحزاب، وأعظم من كل مشاريع الخارج وخونة الداخل.
اليوم، علينا أن نختار:
الوطن: مشروع جامع، دولة مدنية، حقوق متساوية، سيادة حقيقية.
العدم: تقطيع أوصال، فوضى دائمة، تبعية للخارج، وضياع للأجيال القادمة.
لقد أثبتت التجربة أن العراق الموحّد وحده القادر على استعادة مكانته ودوره الإقليمي والدولي، وأن التفريط بوحدته سيجعل منه فريسة سهلة أمام أعدائه ومتنفساً لصراعات لا تنتهي.

إنها مسؤولية تاريخية تقع على عاتق كل مواطن، وعلى النخب والقيادات السياسية قبل غيرهم: أن يتخلوا عن الخطابات الطائفية الضيقة، وأن يعملوا بجدية على تأسيس نظام سياسي يُعبّر عن وحدة العراق ومصالحه، ويضع الوطن فوق كل اعتبار.
الوحدة الوطنية ليست خياراً يمكن المساومة عليه، بل ضرورة وجودية. ومن دونها لن يكون هناك عراق يحفظ حقوق أبنائه ويصون سيادته.
فإما أن نختار الوطن… وإما أن نُساق إلى العدم.

التعليقات معطلة.