إسرائيل وتداعيات حرب الخليج الثالثة المستمرة

6

يكتب مستشار الأمن القومي السابق لـ”اندبندنت عربية”: المشهد الإقليمي لم يعد كما كان
جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي السابق
أثار رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو الجدل بشأن تصريحاته حول إسرائيل الكبرى (أ ف ب)
ملخص
يعتقد جون بولتون أن مشهد الشرق الأوسط تغير جذرياً بعد هجوم السابع من أكتوبر، ويرى أن ما يمكن تسميتها “حرب الخليج الثالثة” لم تنته بعد، في إشارة إلى أنه رغم زوال العراق من معادلة التهديد الإقليمي، برزت إيران كخطر رئيس، مما أحدث تحولات جذرية في الحسابات الاستراتيجية للمنطقة.
مع تصاعد الحملة العسكرية التي تشنها إسرائيل ضد حركة “حماس” في قطاع غزة، ارتفعت أيضاً حدة الخطاب السياسي في الشرق الأوسط. فبينما أعلن قادة إسرائيليون بارزون دعمهم مشروع “إسرائيل الكبرى”، وهو شعار قديم يعود إلى بدايات الدولة اليهودية الحديثة، واصل قادة عرب ومعهم كثر من خارج المنطقة التمسك بـ”حل الدولتين”، وهو شعار راسخ أيضاً منذ مدة.
الهجوم الوحشي الذي قامت به “حماس” غير المشهد وبتنا أمام عالم مختلف. والأهم من ذلك أن الضربات الإسرائيلية – الأميركية التي استهدفت في يونيو (حزيران) الماضي برامج الأسلحة النووية والصواريخ الباليستية الإيرانية، كانت لها تبعات أشد وأعمق أثراً.
فقد أطلق وكلاء إيران، بقيادة “حماس”، ما تسميه طهران “استراتيجية حلقة النار” ضد إسرائيل، وما زالت تداعياتها مستمرة حتى الآن. وبالنظر إلى النتائج، يصعب تخيل حصيلة أكثر كارثية بالنسبة إلى آيات الله في طهران ووكلائهم. إلا أن الواقع المرير هو أن ما يمكن تسميتها بحق “حرب الخليج الثالثة” لم تنته بعد. ففي “حرب الخليج الأولى” حررت الولايات المتحدة وحلفاؤها الكويت من العدوان الذي شنه عليها الرئيس العراقي آنذاك صدام حسين، وأعادت الوضع إلى ما كان عليه قبل الحرب. أما “حرب الخليج الثانية”، فقد أدت إلى إطاحة صدام، وأكملت فعلياً ما لم يتم إنجازه في “حرب الخليج الأولى”.
ومع زوال العراق من معادلة التهديد الإقليمي برزت إيران كخطر رئيس، مما أحدث تحولات جذرية في الحسابات الاستراتيجية للمنطقة. وبما أن “الحرب الخليجية الثالثة” ما زالت مستمرة على جبهات عدة، فلا يمكن بعد إصدار حكم نهائي على آثارها البعيدة المدى. لكن من الضروري أن تدرك الأطراف كافة، داخل المنطقة وخارجها، أن المشهد الإقليمي لم يعد كما كان، وأننا
تجاوزنا زمن “العقليات القديمة”: سواء مرحلة 1948 – 1973 حين فشلت كل الحروب العربية ضد إسرائيل، أو مرحلة 1973 – 1990 التي شهدت مسارات دبلوماسية متباينة النتائج في مسألة السلام.
من الناحية الاستراتيجية، تكمن الحقيقة الأكثر أهمية في أن آيات الله ما زالوا في السلطة في طهران. فهم يواصلون فرض قمع داخلي واسع النطاق، في محاولة يائسة للحفاظ على نظام يتزايد انعدام ثقة مواطنيه به. ومع ذلك كشفت أحداث العامين الماضيين – ولا سيما منها الضربات الأميركية الإسرائيلية – عن نقاط ضعف النظام الإيراني، مما عزز الاعتقاد السائد بأن انهياره أصبح مسألة وقت، لا مسألة احتمال.
أما سقوط ديكتاتورية بشار الأسد في سوريا، الحليف الأوثق لإيران، فلم ينه نفوذ طهران فحسب، بل فتح الباب أيضاً أمام احتمال التوصل إلى سلام دائم بين سوريا وإسرائيل، وربما الانضمام إلى “اتفاقات أبراهام”، مع أن الحكم على ذلك ما زال مبكراً.
اقرأ المزيد
بولتون بعد إلغاء الحماية: ترمب قدم لإيران دعوة لاغتيالي
ترمب وإيران… لحظة الحسم أم التراجع؟
من قتل هنية بوسعه اغتيال خامنئي
رسالة إلى قادة الشرق الأوسط: الحظ يساند الشجعان
في لبنان، تتواصل الجهود لتفكيك “حزب الله” عسكرياً، وسط تقارير عن تعاون إسرائيلي – لبناني غير مسبوق منذ عقود من الزمن. وفيما لا تزال حال العداء قائمة بين لبنان وإسرائيل، إلا أن من الواضح أن العاصمتين لديهما بلا شك مصالح مشتركة قوية في تحييد “حزب الله” كتهديد عسكري وإرهابي. حتى هنا لا تزال النتيجة غير محسومة بعد.
في اليمن، ما زال مسلحو الحوثي يشكلون تهديداً إقليمياً، ليس فقط لإسرائيل والدول العربية المجاورة، بل أيضاً للملاحة الدولية في البحر الأحمر. ومن الواضح أن العمل لوقف هذا التهديد ما زال لم يتحقق بعد بالنسبة إلى العالم أجمع.
في قطاع غزة والضفة الغربية، يستمر الصراع أيضاً ضد “حماس” وغيرها من الجماعات الإرهابية الفلسطينية، لكن التركيز على الجوانب المتعلقة بالصراع المسلح لا يخفف في أي حال من حدة الأزمة الإنسانية التي يواجهها سكان غزة، ولا من الحاجة الملحة إلى ضمان مستقبل آمن وكريم لهم. في الواقع، إن الحل المستدام الوحيد على الصعيد الإنساني والسياسي والعسكري، يعتمد على القضاء على “حماس” ككيان سياسي وعسكري قابل للاستمرار. فإذا لم يستأصل هذا السرطان، من المرجح أن يعاود الظهور مرة أخرى بالشكل الذي ظهر في السابع من أكتوبر 2023، ويهدد من جديد إسرائيل والدول العربية المجاورة على حد سواء.
لقد انتهى عملياً “حل الدولتين” في السابع من أكتوبر، وأنا كثيراً ما دعوت إلى “حل الدول الثلاث”، بحيث تعود غزة إلى الإدارة المصرية، بينما تتولى إسرائيل والأردن حسم قضايا الحدود والأمن في الضفة الغربية. إن مسألة من يسيطر أو يتقاسم السيطرة على غزة، سواء كانت مصر أو إسرائيل، تظل أقل أهمية مقارنة بضرورة منع “حماس” (أو غيرها من الجماعات الإرهابية) من تهديد القاهرة أو القدس. قد يتطلب تحقيق ذلك خفضاً كبيراً في عدد سكان غزة من خلال إعادة توطين اللاجئين، تحت إشراف “المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين”، بما يتماشى مع مبادئها الإنسانية الراسخة. وهذا مسار يحتاج إلى وقت وموارد، ولا يمكن لأي مراقب جاد أن يزعم وجود حل سهل وسريع غاب عن الجميع منذ قيام إسرائيل عام 1948.
وختاماً، فإن تهدئة الخطاب السياسي من كل الأطراف سيكون مفيداً للغاية، فقد سبق أن أبرمت مصر وإسرائيل “اتفاقية كامب ديفيد” التاريخية التي دشنت أول تبادل كامل للعلاقات الدبلوماسية بين إسرائيل وإحدى جاراتها. ومع دعم الأصدقاء المشتركين، يمكن للطرفين أن يحققا اختراقات مماثلة في ملف غزة.

التعليقات معطلة.