من يراقب مسار بنيامين نتنياهو السياسي لا يحتاج إلى جهد كبير ليدرك أننا أمام نسخة حديثة من طغاة القرن العشرين، وأن الرجل لم يعد مجرد زعيم سياسي لإسرائيل، بل تحول إلى مشروع أيديولوجي متطرف يقوم على الإقصاء والإبادة والهيمنة، تمامًا كما فعل هتلر في أوروبا.
مشروع يقوم على الكراهية
هتلر رفع شعار “نقاء العرق الآري” ليبرر جرائمه ضد الآخرين، فيما يرفع نتنياهو راية “يهودية الدولة” ليشرعن سياسات التمييز العرقي والتطهير في فلسطين. كلاهما بنى سلطته على خطاب الكراهية، وتحويل الأقليات إلى “عدو داخلي” يُستباح وجوده وحقوقه. الفلسطيني بالنسبة لنتنياهو ليس مجرد خصم سياسي، بل مشروع “خطر وجودي” يجب محوه من التاريخ والجغرافيا.
الاستيطان كسلاح إبادة
بينما كان هتلر يوسّع مجال نفوذه بحروب التوسع والاحتلال، يستخدم نتنياهو الاستيطان كسلاح صامت يلتهم الأرض، وكسلاح صاخب يفرض وقائع لا رجعة عنها. الاستيطان ليس مجرد سياسة إسكان، بل هو جوهر المشروع الصهيوني بقيادة نتنياهو: اقتلاع شعب وإحلال آخر مكانه، وهو ما ينطبق تمامًا على تعريف “التطهير العرقي”.
دعم دولي مكشوف
المفارقة الكبرى أن هتلر واجه في النهاية تحالفًا عالميًا أوقفه عند حدّه، بينما نتنياهو يحظى بغطاء غربي واسع يبرر له القتل والتهجير بحجة “محاربة الإرهاب”. هذه الازدواجية الفاضحة تجعل من المجتمع الدولي شريكًا مباشرًا في جرائم نتنياهو، بل وتكشف حجم الأزمة الأخلاقية في النظام العالمي الراهن.
دور الإعلام الغربي
الإعلام الغربي يلعب دورًا مركزيًا في تلميع صورة نتنياهو. فبينما يضخم أي رد فلسطيني على الاحتلال ويصفه بـ”الإرهاب”، يتعامل مع جرائم الجيش الإسرائيلي باعتبارها “أخطاء ضرورية” أو “إجراءات أمنية”. هذه الرواية المنحازة ساهمت في إطالة عمر سياسات نتنياهو، بل ومنحته شرعية زائفة في الرأي العام الغربي، رغم أن جرائمه موثقة بالصوت والصورة.
تصدير الأزمة الداخلية
مثلما كان هتلر يوظف الحروب لصرف الأنظار عن أزماته الداخلية الاقتصادية والسياسية، يسعى نتنياهو إلى إشعال المنطقة كلما ضاق عليه الخناق داخليًا. أزماته مع القضاء، والاحتجاجات الشعبية ضده، وملفات الفساد، كلها تدفعه للهروب إلى الأمام عبر التصعيد العسكري. فالحرب بالنسبة له وسيلة بقاء، وليست مجرد خيار استراتيجي.
مسؤولية الأنظمة العربية
لكن من الظلم إلقاء كل المسؤولية على نتنياهو وحده. فالأنظمة العربية، بعجزها وانقسامها وتخاذلها، منحت الرجل فرصة ذهبية لتكريس مشروعه. حين تتحول بعض الحكومات إلى أدوات تطبيع مجانية، وتكتفي أخرى بالبيانات الخجولة، يصبح نتنياهو مطمئنًا أن لا قوة إقليمية ستقف بوجهه. غياب المشروع العربي الموحد هو ما جعل “هتلر العصر” يتصرف وكأنه الحاكم المطلق للمنطقة.
تهديد يتجاوز فلسطين
خطر نتنياهو لا يقتصر على الفلسطينيين وحدهم، بل يمتد ليهدد استقرار المنطقة والعالم. فالرجل لا يتردد في جرّ قوى دولية إلى صراعات مفتوحة، من إيران إلى لبنان إلى غزة، بهدف ترسيخ صورة إسرائيل كـ”قلعة محاصرة” تحتاج دائمًا إلى الدعم والحماية. هكذا يتحول الشرق الأوسط إلى ساحة مفتوحة للفوضى، تخدم استمرار سلطته على حساب شعوب بأكملها.
التاريخ يعيد نفسه
التاريخ يثبت أن الطغاة مهما طال بطشهم، فإن نهايتهم حتمية. هتلر سقط حين واجه العالم جرائمه بلا تهاون، ونتنياهو، مهما راكم من دعم سياسي وعسكري، لن ينجو من مواجهة مماثلة. الفارق أن جرائمه اليوم تُبث مباشرة أمام أنظار البشرية عبر شاشات الإعلام، وصمت العالم لن يدوم طويلًا .
إن وصف نتنياهو بـ”هتلر العصر” ليس شتيمة سياسية، بل توصيف واقعي لزعيم اختار أن يبني مجده على دماء الآخرين. وإذا كان هتلر قد انتهى إلى رماد في برلين، فإن نتنياهو لن يختلف عنه في النهاية؛ فإرادة الشعوب أقوى من آلة القمع، والتاريخ لا يرحم من يظن أن القوة وحدها تخلّد الأمم أو تحمي الزعماء .
الكاتب / حسن فليح