العرب فقدوا أمنهم القومي أكثر من أي وقت مضى

14

 

في العقود الأخيرة، أصبح الأمن القومي العربي قضية أشد هشاشة مما كان عليه في أي وقت مضى. لم تعد التهديدات محصورة في الحدود التقليدية للدول، بل امتدت لتشمل نفوذ القوى الإقليمية والدولية، الانقسامات الداخلية، وتنامي الفاعلين غير الدولتيين، ما جعل المنطقة أكثر تعقيدًا وتعريضًا لمخاطر غير مسبوقة.
انهيار منظومة الردع التقليدية
كانت الدول العربية تعتمد على منظومات الردع التقليدية والاعتماد على تحالفات تاريخية للحفاظ على أمنها. لكن التحولات الإقليمية والعالمية، بدءًا من حروب الخليج، مرورًا بغزو العراق 2003، وصولًا إلى تداعيات 2011 على سوريا واليمن وليبيا، أضعفت قدرة هذه الدول على حماية مصالحها الحيوية. انهيار هذه المنظومة كشف عن هشاشة المؤسسات العسكرية والأمنية، وجعل الشعوب العربية أكثر عرضة للتأثيرات الخارجية.
التدخلات الإقليمية والدولية
لا يمكن الحديث عن فقدان الأمن القومي العربي دون الإشارة إلى التدخلات الأجنبية والإقليمية. إيران وتركيا وروسيا وواشنطن ولندن أصبح لها تأثير مباشر على القرارات الداخلية للعديد من الدول، من العراق إلى لبنان وسوريا، وحتى اليمن. هذا التدخل لم يعد يقتصر على السياسة، بل امتد إلى الاقتصاد والثقافة والأمن الاجتماعي، ما أدى إلى شعور عميق بالعجز والاستلاب الوطني.
الانقسامات الداخلية وأزمات الهوية
الأمن القومي لا يُبنى إلا على وحدة داخلية قوية. ومع الأسف، تفاقمت الانقسامات الطائفية والعرقية والسياسية في العديد من الدول العربية، ما أعاق أي محاولة لتنسيق سياسات دفاعية أو استراتيجية مشتركة. وأصبح النزاع الداخلي أداةً لتفتيت الدولة وإضعاف القدرة على مواجهة التحديات الخارجية.
الفاعلون غير الدولتيون
الميليشيات والجماعات المسلحة أصبحت قوة غير قابلة للتجاهل في الساحة العربية. تنظيمات إرهابية، جماعات مسلحة مرتبطة بدول خارجية، وميليشيات محلية تتحكم في مناطق استراتيجية، كلها عوامل زادت من تعقيد مفهوم الأمن القومي العربي وجعلته مرتبطًا بالتحالفات العابرة للحدود أكثر من كونه بُعدًا داخليًا.
خريطة المستقبل
إذا استمر الوضع على ما هو عليه، فإن الأمن القومي العربي سيبقى في حالة هشاشة مستمرة. الحلول تتطلب:
إعادة بناء المؤسسات العسكرية والأمنية على أسس وطنية بعيدًا عن التدخل الخارجي.
تحقيق وحدة سياسية وتنسيق استراتيجي بين الدول العربية لتعزيز الردع الإقليمي.
تحجيم نفوذ الفاعلين غير الدولتيين وضبط الحدود والتموضع الاستراتيجي.
إعادة صياغة العلاقات الإقليمية والدولية على أساس المصالح الوطنية وليس النفوذ الخارجي.
في النهاية، فقدان العرب لأمنهم القومي ليس مجرد حالة ظرفية، بل انعكاس لتراكم عوامل تاريخية وسياسية واستراتيجية أدت إلى هشاشة الوضع الحالي. ما لم يكن هناك إرادة حقيقية لمواجهة هذه التحديات بشكل جماعي، فإن الأمن القومي العربي سيظل في أقصى درجات الخطر، ولن يكون بمقدور أي دولة عربية وحدها الصمود أمام هذا الطوفان من التأثيرات الداخلية والخارجية.

التعليقات معطلة.