«يا أهل الإعلام.. دماغنا وجعنا»!

2

عبد الله عبد السلام

تفترض الغالبية العظمى من الصحفيين والإعلاميين أنهم يقدمون منتجًا شديد الأهمية (البعض يسميه خدمة وآخرون يعتبرونه سلعة)، وأن الناس فى حاجة ماسة إليه. ولذلك لابد من بذل الجهد وابتكار الأساليب المبدعة للوصول به إلى الجماهير. غالبية الخطط والاستراتيجيات تعتبر هذه الفرضية صحيحة، ولا مجال للشك فيها. وبالتالى هناك تنافس كبير من أجل زيادة معدلات الوصول إلى القارئ والمتلقى والمشاهد، سواء بالعناوين المثيرة، وأحيانًا المضللة، أو بالصور والفيديوهات وغيرها. يتم إغراق المتلقى بالتنبيهات والإيميلات والبوستات لإقناعه بالإقبال على المنتج الصحفى والإعلامى.

المفارقة أن هذا القارئ أو المتلقى يتناقص بوتيرة سريعة للغاية فى كل أنحاء العالم. معهد رويترز لدراسة الصحافة أجرى- فى العام الحالى- دراسة ميدانية على مواطنين من 50 دولة، أكدت أن عزوف الناس عن الأخبار بلغ مستويات قياسية. 40٪ من الذين شاركوا قالوا إنهم يتجنبون الأخبار أحيانًا أو غالبًا. النسبة كانت 29٪ فقط عام 2017. أسباب العزوف مختلفة. البعض أرجعه إلى التدفق الهائل للأخبار، والذى لا يترك للشخص فرصة الاختلاء بنفسه. أجراس وتنبيهات وبوستات تقتحم خصوصيتك وتفرض عليك ما تريده وما لا تريده. هناك من قال إن الأخبار مفزعة وسلبية وتأثيرها النفسى شديد. انعدام الثقة بين الصحف ووسائل الإعلام والناس العاديين، من الأسباب أيضًا. هناك من يتهم الإعلام بتعمد الإثارة والمبالغة وتعميق الانقسامات على حساب الحقيقة من أجل المكاسب المادية. دراسة رويترز نشرت آراء متلقين عاديين قالوا إنهم انقطعوا تمامًا أو بشكل جزئى عن متابعة الصحف وتوقفوا عن مشاهدة نشرات الأخبار لأنهم لم يعودوا يتحملون الأعباء النفسية التى تصيبهم جراء التعرض لهذا السيل المتدفق من الأخبار.

روكسان سيلفر، أستاذة علم النفس الأمريكية، التى درست على مدى سنوات تأثير متابعة وسائل الإعلام خلال فترات الأزمات الكبرى، مثل وباء كورونا وكوارث المناخ، قالت لصحيفة الجارديان إن أكثر الأعراض التى تصيب بعض الناس، التوتر وتصاعد الضغوط واضطرابات ما بعد الصدمة. شعور الناس بالإجهاد الحاد زاد فى السنوات الأخيرة مع تصاعد الأزمات الاقتصادية وانتشار الأخبار المضللة. بدأ الناس يمارسون «تقشفًا» فى التعامل مع الإعلام. كونوا إعلامًا خاصًا بهم من خلال جروبات الواتس وغيرها.

ونحن نعقد حاليًا الاجتماعات والندوات حول كيفية تطوير الإعلام والصحافة نحتاج إلى دراسة ميدانية تشمل كل فئات المجتمع بجميع المحافظات، وتقوم بها جهة أكاديمية موثوق بها وبحيادها وكفاءتها. نريد أن نعرف أين وصلت العلاقة بين المواطن والإعلام؟، وهل هناك عزوف؟، ولماذا؟. الأهم أن نعرف ماذا يريد هذا المواطن. التطوير يستهدف الوصول إليه وإقناعه برسالة الإعلام والصحافة، فكيف يكون هو الغائب الأكبر فى عملية التطوير؟. للأسف، انقطعت قنوات الاتصال المباشر مع القارئ والمشاهد منذ سنوات طويلة. وأصبح هناك من الإعلاميين والصحفيين من يعتقد أنه يفهم ويعرف ما يريده المواطن أفضل منه.

لسان حال المواطن العازف عن صحافته وإعلامه يذّكرنى بقصيدة بيرم التونسى التى غناها زكريا أحمد: «يا أهل المغنى دماغنا وجعنا. دقيقة سكوت لله. دا إحنا شبعنا كلام ماله معنى. يا ليل ويا عين ويا آه».

تنويه: جميع المقالات المنشورة تمثل رأي كتابها فقط.

التعليقات معطلة.