بينما يواصل العراق الغرق في أزمته المائية، تختار تركيا سياسة الخنق المائي الصارمة، مستفيدة من ضعف بغداد وانقسامها الداخلي. السدود العملاقة على نهري دجلة والفرات، التي يُفترض أن تكون مشاريع تنموية، تحولت إلى أدوات ابتزاز واستراتيجية ضغط، فيما الحكومة العراقية تبقى مشلولة بين التصريحات الفارغة والخوف من التصعيد.
ملء سد إليسو التركي واحتجاز المياه يقلص الحصص العراقية بشكل حاد، ليصبح الفلاحون ضحايا السياسة التركية أولاً، ولتتحول المدن إلى مراكز أزمة مياه وصحة عامة ثانياً. أما الكهرباء، فتعتمد محطات العراق المائية على المياه نفسها، فتتضاعف الأزمات وتتسع الفجوة بين حاجة المواطنين وبين وعود الحكومة التي تتلاشى سريعاً أمام الحقائق الميدانية.
الغريب أن بغداد، بدل أن تتحرك بصرامة، اكتفت بالبيانات الصحفية والنداءات الدبلوماسية الضعيفة، وكأن الأزمة مجرد خبر عابر في وسائل الإعلام. المبادرات الدولية؟ صامتة. المبادرات الإقليمية؟ محدودة وذات أثر ضعيف. العراق يواجه أحد أكبر تهديداته الاستراتيجية، ويدفع الثمن شعبه بالكامل، بينما المسؤولون يتبارون في البيانات الرنانة دون تنفيذ أي إجراء عملي.
الانقسام السياسي الداخلي يضاعف الضرر: الأحزاب تتقاتل على المناصب والولاءات، والفشل في صياغة استراتيجية وطنية لإدارة الموارد المائية يترك الباب مفتوحاً لكل ضغوطات تركيا الأحادية. وهنا يظهر السؤال الصادم: هل ستظل الحكومة العراقية مجرد مراقب متفرج بينما ملايين العراقيين يجوعون عطشاً؟
الحقيقة المرّة هي أن العراق اليوم يعيش تحت تهديد مزدوج: سياسات تركيا المائية العدائية، وحكومة عاجزة لا تتجاوز حدود التصريحات. إن استمر هذا الوضع، سيصبح الخنق المائي واقعاً يومياً يهدد حياة العراقيين وأمنهم القومي، ويكشف هشاشة الدولة أمام التحديات الإقليمية الكبرى.
الحل؟ إرادة عراقية حقيقية تتجاوز الانقسامات والفصائل، استراتيجيات مائية واضحة، وضغوط فعالة على تركيا. وإلا، فالأجيال القادمة لن تعرف سوى أزمة مائية دائمة، وستظل تركيا في موقع القوة، بينما بغداد تمثل نموذج الفشل السياسي أمام العالم.