رحلة الرئيس الأميركي هذا الأسبوع تنطوي على احتمالات الفشل من نواح عديدة خصوصاً مع عودة شبح جيفري إبستين
شون أوغرايدي مساعد رئيس التحرير
ستارمر وترمب خلال لقائهما في اسكتلندا، يوليو 2025 (أ ب)
ملخص
زيارة ترمب الرسمية لبريطانيا تعد اختباراً دبلوماسياً حساساً محفوفاً بالأخطار السياسية والإعلامية، إذ تتقاطع فيها القضايا الشخصية المثيرة للجدل مع التوترات الدولية، مما يجعلها فرصة محتملة للنجاح أو كارثة محققة لجميع الأطراف المعنية.
من الإنصاف القول إن معظم الزيارات الرسمية إلى بريطانيا تكون متواضعة نسبياً وودية وبسيطة، وبناء على توجيهات من “داوننغ ستريت” ووزارة الخارجية، تخرج العائلة المالكة أفضل المقتنيات الفضية والتيجان، وتقيم حفلة ووليمة. وتعد مثل هذه الأنشطة بمثابة ممارسة لما يسمى “القوة الناعمة”، التي تكون أحياناً النوع الوحيد من القوة الذي لا يزال البريطانيون يمتلكونه، وتمتلك عائلة وندسور هذه القوة بوفرة.
وتهدف الزيارات الرسمية إلى تملق الأصدقاء الحاليين أو المحتملين، أو المساعدة في إصلاح العلاقات المتصدعة. كانت الزيارة الأخيرة، التي أجراها الرئيس إيمانويل ماكرون وعقيلته نيابة عن الجمهورية الفرنسية، بالتأكيد محاولة لإصلاح العلاقات، بعد سنوات من العداء الصريح من بوريس جونسون، صاحب المقولة المتحدية لفرنسا “دعوني وشأني!”، وليز تراس صاحبة مقولة “صديق أم عدو؟”، وقد سارت الأمور بسلاسة. ألقى ماكرون خطاباً أو خطابين رشيقين، وقريباً ستعرض لوحة بايو في المتحف البريطاني [تروي أحداث غزو النورمان لإنجلترا عام 1066 وعرضها يأتي كبادرة حسن نية فرنسية تجاه بريطانيا]. في عام 2024، استقبل إمبراطور وإمبراطورة اليابان بحفاوة مماثلة، من دون حتى احتجاج رمزي هذه المرة من جانب الجنود القدامى على الفظائع التي ارتكبت خلال الحرب العالمية الثانية.
هذا هو المسار الطبيعي للأمور، ولكن من الواضح أنه ليس كذلك في حالة دونالد ترمب، وهو شخصية تثير ردود فعل متباينة في المملكة المتحدة تماماً كما هو الحال في موطنه الأصلي وفي الواقع على الصعيد العالمي. باختصار، لا أحد يعرف تماماً ما الذي سيحدث قبل مساء الثلاثاء وبعده، عندما يهبط الطاغية ذو البشرة البرتقالية ومنقذ الحضارة الغربية. بالنسبة إلى جميع المعنيين، قد يتحول الأمر بسهولة إلى انتصار أو كارثة، مع احتمال أكبر لحدوث مزيج من الاثنين، ومن المؤكد أن الزيارة ستكون حافلة بالأحداث.
الكلمة الوحيدة التي لا يريد أي من المعنيين سماعها هي “إبستين”، لكنهم سيسمعونها بالتأكيد. فالصحافي الذي يذكر كلمة “إبستين” للمرة الأولى في مؤتمر صحافي مشترك بين ترمب وستارمر يجب أن يرشح على الفور لجائزة خاصة، تعادل جائزة فيكتوريا كروس للشجاعة في حفلة توزيع جوائز الصحافة البريطانية. فجميع الشخصيات الثلاث الرئيسة المشاركة في الرحلة متورطة بصورة محرجة في شبكة إبستين، ولا ترغب في أن يذكرها أحد بذلك: ترمب، بسبب علاقته السابقة به ووعده الانتخابي غير الحكيم بـ”الإفراج عن الملفات”، وكير ستارمر، بسبب [السفير البريطاني في واشنطن والمقال حالياً] لورد ماندلسون، والملك، بسبب شقيقه الأمير أندرو الذي يصف نفسه بـ”المحترم للغاية”، الذي سيظل محبوساً في رويال لودج طوال فترة الرحلة. ستكون البرودة المزعجة التي ستخيم على المكان عند ذكر اسم جيفري إبستين من وسائل الإعلام لا تطاق بالنسبة إلى الحاضرين وملاحظة حتى للمشاهدين على شاشات التلفزيون، سيكون مشهداً استثنائياً بكل المقاييس.
اقرأ المزيد
ترمب بين نتنياهو وبوتين: الحب والحرب من طرف واحد
أزمات الاقتصاد تطوق ستارمر فهل ينجو رئيس الوزراء البريطاني؟
ستارمر بعد تظاهرة اليمين المتطرف: لن نسمح بالترهيب
رسائله لجيفري إبستين تطيحه… لندن تقيل سفيرها لدى واشنطن
من بين رئيس الوزراء والرئيس، فإن ترمب، وللغرابة، هو الذي يمتلك خط دفاع أفضل. فعلى رغم كل الأدلة التي تشير إلى أنه كان صديقاً مقرباً في السابق، بما في ذلك صورهما معاً في حفلات، ومقطع الفيديو الذي يعاد بثه باستمرار ويظهرهما يرقصان ويمزحان، وتدوينة غريبة (جرى نفيها) في كتاب عيد ميلاد إبستين الـ50، يمكن لترمب أن يقول بكل صدق إنه قطع كل اتصاله مع “الشخص المقزز”، كما يسميه، قبل إدانته. (أي، على عكس ماندلسون، في تباين غير معلن). يمكن للرئيس أيضاً أن يقول إنه هو الذي نشر (على مضض) آلاف الصفحات من ملفات إبستين. وإذا سئل عن ماندلسون، يمكنه تحويل السؤال إلى ستارمر، مع إشارة بريئة أنه لم يكن لديه أية مشكلة معه بصفته سفيراً.
ومن دون أن يتوقع أحد ذلك، فإن شبح الملياردير المتوفى الذي كان يمارس الاعتداء الجنسي على الأطفال يطارد ستارمر أكثر مما يطارد ترمب، ومن المؤكد أن ستارمر لم يلتق أبداً بهذا الرجل، ناهيك بالمشاركة في إحدى حفلات المجون الصاخبة التي أقامها إبستين. السبب في ذلك مؤسف وبالغ الوضوح: فقد تبين الآن، بتفاصيل محرجة، مدى ولع بيتر ماندلسون بـ”أعز أصدقائه”، خصوصاً بعدما باتت جرائم إبستين معروفة للعامة. وفي الواقع، من الصعب معرفة أي من رسائل ماندلسون إلى جيفري هي الأكثر ضرراً. هل هي التحية التي يتطلع فيها بيتر إلى زيارته المقبلة – “لذيييذ”. أم تلك التي يحاول فيها الحصول على رحلة مجانية على متن طائرة إيستين الخاصة “لوليتا إكسبريس”؟ أم، والأكثر إحراجاً، تلك التي حث فيها إبستين على “الكفاح من أجل الإفراج المبكر”؟ بالنسبة إلى ستارمر، السؤال هو: أي من هذه التجاوزات، وغيرها، كان على علم بها، ومتى علم بها، ولماذا عين ماندلسون في منصب سفير الولايات المتحدة، ثم حاول على ما يبدو التمسك به لفترة طويلة جداً عندما انكشفت الأمور.
ثم هناك عادة ترمب في قول أشياء عشوائية كلما شاء، في مثل هذه اللحظات – وستتمنى السلطات البريطانية أن تتمكن من تقليل هذه الفرص – قد ينتقد ترمب ستارمر بسبب حربه (الخيالية) على حرية التعبير، وسجن لوسي كونولي [امرأة بريطانية سجنت لمدة 31 شهراً بعد إدانتها بالتحريض على الكراهية العنصرية عبر منشور على منصة “إكس”]، والحرب في أوكرانيا، وغزة، والرسوم الجمركية، والصين (خصوصاً سفارتها الضخمة في لندن)، وتومي روبنسون [ناشط بريطاني قومي متشدد]، ونايجل فاراج، والأمير أندرو، وإيلون ماسك، وتشارلي كيرك، والافتقار النسبي للزخارف الذهبية في “داوننغ ستريت” وقصر باكنغهام.
وستجد بعض الصحف البريطانية فرصة سهلة بمجرد أن تعرض نسخة مشوهة من سياسة الحكومة الحالية على الرئيس، متوقعة أن يرد بعبارات لاذعة من قبيل أن ما يفعله ستارمر “غبي” أو “أحمق” أو “خطر” أو ما شابه. وقد يتمكن فاراج حتى من انتزاع مقابلة دعائية مع ترمب لصالح قناة “جي بي نيوز”، كل ذلك سيعني فترة عصيبة لستارمر.
مدى نجاح ستارمر في التعامل مع الأخطاء الحتمية ولحظات الإحراج سيكون أمراً حاسماً مثل أي شيء آخر لبقائه على قيد الحياة هذا الأسبوع، وكل ما يمكنه أن يأمله هو أن يحمل بعض الأخبار الإيجابية عن الاتفاق الأميركي – البريطاني التجاري، والتعاون الدفاعي والتكنولوجي بين البلدين لمواجهة أي تفاخر من جانب ترمب، وأن تبهج المراسم الاحتفالية المتألقة الحضور بدلاً من ذلك.
وستكون هناك لمسات أخف أيضاً، يتوقع بعض منا أشياء عظيمة من اللقاء المقرر بين السيدة الأولى الفاتنة، ورئيس الكشافة دواين فيلدز وكيت ميدلتون، التي ما زلنا نسميها، الرئيسة المشاركة لجمعية الكشافة. هل ستتفوق أميرة ويلز على السيدة ترمب، أم سترتدي ميلانيا زي فتاة الكشافة لتثير ضجة في عالم الموضة؟ أمر مثير للاهتمام.
سيكون رفع المنطاد العملاق القابل للنفخ على شكل ترمب الطفل، وهو أصبح شبه تقليد، بالتأكيد أحد أبرز الأحداث الأخرى. لكن بالنسبة إلى رئيس الوزراء، فإن ما يفترض أن يكون وقتاً مريحاً عادة عندما يكون البرلمان في عطلة، وتسود الدبلوماسية اللطيفة، سيكون بدلاً من ذلك بمثابة المكافئ السياسي لبرنامج “أنا شخص مشهور، أخرجوني من هنا!” – إهانات متكررة أشبه بطقوس إعلامية، كل ذلك مصحوباً بعسر هضم شديد. حظاً سعيداً في أدغال زيارة ترمب الرسمية، سير كير – ستحتاج إلى دعائنا.