لأول مرة.. القوى الشيعية تغمز لبعضها بشأن احتضان الحزب المحظور
بغداد/ تميم الحسن
كادت أطراف داخل “الإطار التنسيقي” توجّه ضربة قاسية إلى رئيس الحكومة محمد شياع السوداني، بمحاولة شمولِه بإجراءات “اجتثاث البعث”، مع تصاعد الخلافات بين مكوّنات الجماعة الشيعية.
وتتبادل أجنحة “الإطار”، بشكل غير مسبوق، الاتهامات حول “تمكين” و”احتواء” و”إعادة” حزب البعث المحظور إلى الساحة السياسية عبر بوابة الانتخابات.
وقد تجاوز عدد المبعدين من كوادر “البعث” في القوائم الانتخابية المقبلة 300 مرشح، نصفهم تقريبًا ضمن تحالفات شيعية، وهو رقم قياسي لم يُسجّل في الانتخابات السابقة.
ويحظر القانون العراقي مشاركة حزب البعث وأجهزته القمعية في الانتخابات أو الحياة السياسية.
وتشير معلومات إلى أن “التدافع السياسي” داخل البيت الشيعي استُخدم فيه ملف “البعث” في اتجاهين:
أوّلًا في كسب الأصوات، إذ حاولت أطراف شيعية استقطاب بعض المناطق والفئات “المقاطعة” منذ 2005، عبر إدراج بعثيين في القوائم، رغم أن المكاتب الحزبية تزعم أنها “تورطت ببعض الأسماء دون علم بانتمائهم السابق”.
ثانيًا في التشويش، حيث جرى التربص ببعض المرشحين رغم براءتهم السابقة من الانتماء إلى البعث، بهدف إرباك القوائم الشيعية المنافسة، ومن ذلك محاولة شمول السوداني بإجراءات “المساءلة والعدالة”، وهي محاولة لم تنجح.
“الرئيس عضو عامل!”
خلال الأسبوعين الأخيرين، شن محللون مقربون من “الإطار” حملة ممنهجة للتلميح بأن رئيس الحكومة من عائلة بعثية، وتم استثناؤه من إجراءات “المساءلة”.
وقال وزير سابق لـ”المدى”، طلب عدم ذكر اسمه لحساسية المعلومات: “خلال نقاشات الإطار التنسيقي حول تكليف السوداني برئاسة الوزراء في 2022، جرى تداول معلومات متضاربة عن تاريخه السياسي”، مؤكداً أن “المصدر كان إحدى الكتل – تحفظ على ذكر اسمها – التي حاولت التشويش على السوداني ومنعه من المنصب”.
ومع اقتراب الانتخابات المقررة في 11 تشرين الثاني المقبل، عادت التساؤلات في الأوساط الشيعية عن كيفية تولي السوداني منصبًا إداريًا في زمن النظام السابق، في حين أُعدم والده لانتمائه إلى حزب الدعوة.
وفي شباط الماضي، اتهم النائب مصطفى سند رئيس الوزراء مباشرة بالانتماء إلى حزب البعث قائلاً: “الرئيس عضو عامل!”، مضيفًا أن السوداني عيّن وزير الزراعة السابق عبد الإله التكريتي مستشارًا للشؤون الزراعية، وهو عضو فرقة في حزب البعث اعتُقل عام 2003 مع محمد سعيد الصحاف.
وكتب سند حينها: “رغد صدام حسين تترشح، وزراء صدام يحكمون، السكرتير العسكري مشمول، والرئيس عضو عامل”.
والسوداني هو أول من يتم ترشيحه لرئاسة الوزراء من بين من يُعرفون بـ”عراقيي الداخل”، إذ عاش في العراق ولم يغادره حتى التغيير عام 2003 وما بعده.
في عام 1997، عُيّن في مديرية زراعة ميسان، وبعد سقوط النظام عام 2003 تولّى منصب قائممقام العمارة (مركز محافظة ميسان)، ثم انتُخب لاحقًا عضوًا في مجلس محافظة ميسان مرشحًا عن قائمة حزب الدعوة عام 2005. وفي الفترة بين عامي 2009 و2010 تقلّد منصب محافظ ميسان.
بين عامي 2010 و2014، تولّى منصب وزير حقوق الإنسان في العراق، ثم أصبح وزير العمل والشؤون الاجتماعية في حكومة حيدر العبادي بين 2014 و2017. وفي عام 2016، شغل منصب وزير الصناعة، كما تولى لفترة قصيرة منصب وزير التجارة بالوكالة.
ظل السوداني في صفوف حزب الدعوة حتى عام 2019، حين أعلن انشقاقه في خضم احتجاجات تشرين، ليؤسس بعدها “تيار الفراتين”، الذي أصبح لاحقًا نواة “تحالف الإعمار والتنمية”.
“چيكوا مرشحيكم”
النائب محمد الصيهود، ابن عم السوداني وأحد قادة “الإعمار والتنمية”، قال إن “خلق عدو وهمي قبل كل انتخابات بات أسلوبًا متكرراً، فمرة طائفي والآن بعثي”، مضيفًا في مقابلة تلفزيونية: “البعثيون عام 2003 كان أصغرهم عمره 60 عامًا، والآن تجاوزوا الثمانين”.
وسخر الصيهود من مخاوف عودة رغد صدام حسين قائلاً: “إذا كانت كتل تمتلك السلاح والسلطة تخاف من رغد، فالأجدر بنا أن نجلس في بيوتنا”.
وكان نوري المالكي زعيم “دولة القانون”، حذّر أكثر من مرة من “توغل البعث” في مؤسسات الدولة، فيما قال عضو عن ائتلافه إن رغد صدام حسين قد تشارك في الانتخابات، وإن بعثيين في الجنوب بانتظار “ساعة الصفر”.
واللافت أن القوائم الشيعية سجّلت رقمًا تاريخيًا بعدد المرشحين من “البعثيين” في الانتخابات المقبلة، حيث بلغت 150 مرشحًا، بحسب النائب عن بابل أمير المعموري.
وفي يوم الأحد الماضي، حذّر زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر من وجود “بعثيين” في القوائم الانتخابية، متوعدًا بعدم السكوت في حال عودتهم إلى البرلمان أو مفاصل الدولة. وقال الصدر في بيان مطوّل حول الانتخابات، نقله عنه وزيره صالح العراقي: “وإذا قيل لكم: ما البديل للمقاطعة؟ وبيّنوا لكم أن البديل هو قوة البعثيين وعودتهم، نقول: چيكوا مرشحيكم قبل أن تتهموا غيركم، فبعضهم بعثيون، أنتم من أعادهم ولسنا نحن. بل إذا عادوا فلن نسكت، وسيكون صمتنا صرخة حقّ في وجه الظلم والفساد”.
ورغم التحذيرات، يرى هادي العامري أن “من يقاطع الانتخابات كأنه يؤيد البعث”، بحسب وسائل إعلام محلية، بينما رُوّج مؤخرًا لوثيقة حكومية تتحدث عن إعادةً أهالي العوجة – مسقط رأس صدام – بعد 11 عامًا من المنع، ما اعتبره البعض “مغازلة للبعث”.
ويعتقد عبد الرحمن الجزائري، وهو مسؤول سابق في أحد الفصائل، أن “التجمعات البعثيّة” في العراق تحت أنظار الحكومة.
ويقول الجزائري، وهو الآن رئيس الهيئة السياسية لـ”التيار العشائري”، كما ذكر في مقابلة تلفزيونية، إنّ هناك “اجتماعات للبعثيين” تُعقد في بغداد والنجف، وإن رئيس الوزراء “على علم بذلك”.
وكان رئيس الوزراء قد كشف مطلع 2024 عن اعتقال “تنظيمات جديدة لحزب البعث” داخل العراق.