ثلاثة أرباع المسيحيون غادروا البلد والإيزيديون تعرضوا للإبادة
ترجمة / حامد أحمد
تناول تقرير بقلم بروفيسور القانون الدولي، هانيبال ترافيس، في جامعة فلوريدا الدولية في الولايات المتحدة أوضاع الأقليات الدينية في العراق بعد أكثر من عقدين على الغزو الأميركي وما تلتها من هجمات داعش، متسببة بمقتل أكثر من 300 ألف شخص مع أضرار في البنى التحتية وعدم الاستقرار، مشيرًا إلى هجرة نحو ثلاثة أرباع المسيحيين من البلد وتعرض الإيزيديين لإبادة جماعية مع فشل المحاكم الجنائية الدولية في محاكمة المسلحين الأجانب من داعش، فضلًا عن بطء عمليات إعادة الإعمار في سنجار وسهل نينوى وقلة التعويضات الممنوحة لهم.
ويشير البروفيسور ترافيس في تقريره بأنّه رغم أن الآشوريين والإيزيديين والشبك نجوا من أشد قصف جوي في عام 2003 ولاحقًا في الحملة العسكرية ضد داعش، إلا أنهم عانوا أشكالًا أخرى من الدمار أدت إلى نزوح وهجرة واسعة، خصوصًا بين المسيحيين العراقيين. فقد غادر نحو ثلاثة أرباع المسيحيين (بما في ذلك الكلدان، والسريان الأرثوذكس، والأرمن الكاثوليك والرسوليون، واليونان الأرثوذكس، إضافة إلى مسيحيي كنيسة المشرق الآشورية والسريان الكاثوليك/الآشوريين) البلاد في موجتين منفصلتين: الأولى بين 2003–2010، والثانية بين 2014 و2019 مع اجتياح تنظيم داعش لمساحات واسعة من العراق.
ويقول خبير القانون الدولي إنّ طبيعة تشكيلة الحكم والتوازن السياسي الذي أُنشئ في البلد بعد العام 2003 غالبًا ما كان ضد مصالح أصغر الأقليات العراقية مثل الآشوريين والمندائيين والشبك والتركمان والإيزيديين، مشيرًا إلى أن المحاصصة الطائفية كانت هي السائدة واستُخدمت لتعزيز الأحزاب الكبرى. في عام 2005، أصدر مكتب المفوض السامي للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تقريرًا عن الأقليات الدينية في العراق، موثقًا التمييز ضد المسيحيين، خصوصًا في وسط وجنوب البلاد، وكذلك تعرض المسيحيين والمندائيين والإيزيديين للاضطهاد منذ عام 2004.
وكانت الأقليات الدينية في البلد قد تعرضت لحملات القتل والتهجير والاضطهاد على نحو أوسع وعلى شكل موجات، واشتد بعض هذه الهجمات لمستوى التطهير العرقي في حجم دمارها. ففي عام 2007 مثلًا، أدى تفجير قريتين إيزيديتين إلى مقتل ما يقرب من 800 شخص وإصابة الآلاف. كما تأثرت محافظة نينوى بشدة من النزوح الداخلي. بين عامي 2006–2008، فر آلاف الآشوريين والكلدان من الموصل (عاصمة نينوى) بسبب تهديدات القتل والهجمات على الكنائس، إلى بلدات وقرى مجاورة، لكن كثيرين منهم نزحوا مرة أخرى بسبب داعش. وفقًا لتقرير نشرته المنظمة الدولية للهجرة عام 2008، كان 40% من النازحين في نينوى من الآشوريين المسيحيين، و12% من الكلدان المسيحيين، و12% من التركمان السنّة. وأشار التقرير إلى أن التركمان وجدوا أنفسهم “عالِقين بين بيئتين غير مرحبتين”، حيث حاولت السلطات المحلية في الموصل إجبارهم على العودة إلى تلعفر. كما قُدِّر أن تسعة من كل عشرة نازحين أكدوا أنهم استُهدفوا بسبب دينهم أو طائفتهم.
في صيف 2014 شهد العراق توسع داعش السريع واجتياحه لمناطق الفلوجة والموصل وسنجار وسهل نينوى، وتعرض الإيزيديون لمجازر جماعية، خصوصًا في قرية كوجو. لجأ نحو 300 ألف إيزيدي، و200 ألف مسيحي، ومئات الآلاف من غيرهم إلى مخيمات النزوح أو بيوت الأقارب أو مبانٍ غير مكتملة أو هاجروا إلى الخارج طلبًا للجوء. بعض المدن والبلدات، مثل تلك التي في سهل نينوى، تحولت إلى أنقاض بفعل النهب والتدمير الثقافي الذي قاده داعش، أو بفعل ضربات التحالف المدعوم من الناتو ضد مناطق مأهولة كان للتنظيم قواعد فيها. وبعد سنوات، ما تزال سنجار وبعض مناطق سهل نينوى وأجزاء من الموصل تفتقر إلى المياه النظيفة والكهرباء والمستشفيات والمدارس والخدمات الأخرى.
ومن ضمن معاناة الإيزيديين، يقول البروفيسور ترافيس إنّ قلة من منهم مَن استفادوا من مميزات قانون الناجيات الإيزيديات الذي تم إقراره في البرلمان العراقي عام 2021، الذي يستند إلى إطار تعويضات، وتخصيصات مالية من “قانون الأمن الغذائي الطارئ والتنمية” للإيزيديين وغيرهم من الأقليات الذين يقدمون شكاوى جنائية لما تعرضوا له على يد داعش، مشيرًا إلى أنّ نسبة ضئيلة جدًا من الضحايا مَن استفاد من هذا البرنامج.
وفيما يتعلق بدور المجتمع الدولي تجاه الاهتمام بإنصاف الأقليات الدينية وخصوصًا الإيزيديين وما تعرضوا له على يد داعش في العراق، يقول بروفيسور القانون الدولي ترافيس إنّ كلًا من المحكمة الجنائية الدولية (ICC)، التي وُجدت نظريًا لتعزيز الأمن البشري عبر محاكمة المتورطين بارتكاب جرائم دولية، ومحكمة العدل الدولية (ICJ)، وهي ذراع للأمم المتحدة تشرف على الالتزام بالمعاهدات ومبادئ القانون الدولي، قد فشلتا كلاهما في تقديم عدالة ملموسة لضحايا داعش من الإيزيديين والأقليات الأخرى.
وجاء في تقرير لمجلة فوربس الأميركية نشر في آب الماضي أنّه لم يُبذل سوى القليل لضمان محاسبة الجناة من مسلحي داعش، بما في ذلك في أوروبا. إذ التحق نحو 5000 مسلح أجنبي بصفوف تنظيم داعش قادمين من بلدان أوروبية مختلفة، وقد عاد نصفهم تقريبًا إلى أوطانهم، ومع ذلك فإن الملاحقات القضائية بحقهم نادرة.
وتذكر المجلة الأميركية أنّ هذا الواقع قد تم إيضاحه في تقرير أعده المقرر الخاص للجمعية البرلمانية لمجلس أوروبا، بيتر أومتزغيت، بشأن جلب داعش للعدالة، الذي اعتمدته الجمعية في عام 2022. كما أكده تقرير حديث صادر عن اللجنة المشتركة لحقوق الإنسان في المملكة المتحدة، المكونة من أعضاء مجلسي العموم واللوردات، حيث أشار إلى عدم وجود أية إدانة ناجحة في المحاكم البريطانية على الجرائم الدولية التي ارتكبها داعش في سوريا والعراق. وخلص التقرير إلى أنّ التحقيق والمقاضاة يتطلبان تنسيقًا أفضل، وأنّ ذلك يستدعي إدخال تغييرات على المنظومة القائمة.
عن Assyrian Agency