دولة فلسطين بين اعتراف بلا خريطة وسيادة مؤجلة: هل يملك العالم خطة أم مجرد نوايا؟

2

محمد علي الحيدري

يُثار اليوم سؤال جوهري حول الكيفية التي يمكن من خلالها تحويل الاعتراف الدولي بدولة فلسطين من مجرّد موقف رمزي أو فعل دبلوماسي إلى عملية ملموسة تؤسس لوجود سياسي وقانوني كامل الأركان. فالاعتراف، على أهميته في كسر عُزلة الفلسطينيين وإحراج منظومة الاحتلال، لا يصبح بحد ذاته ضمانة لولادة الدولة، بل هو خطوة أولى تحتاج إلى جملة من الآليات والإجراءات التي تعطيها المعنى العملي والبعد البنيوي.
إن تنفيذ الاعتراف الدولي يستوجب أولاً التوافق على ماهية الدولة الفلسطينية المنشودة: حدودها، نظامها السياسي، ضمانات سيادتها، وأسس علاقتها مع جيرانها والعالم. ذلك أن ما هو متاح اليوم من اعترافات متفرقة يشبه فسيفساء غير مكتملة؛ فسقف التوقعات والالتزامات يختلف من عاصمة إلى أخرى، ما يجعل الاعتراف في صورته الراهنة أقرب إلى خطاب سياسي أو تسجيل موقف أخلاقي، لا إلى مشروع دولي متماسك قابل للتطبيق. والسؤال الذي يفرض نفسه هنا: هل تمتلك الدول المعترفة، مجتمعة، رؤية أولية متفقاً عليها حول شكل ومضمون الدولة الفلسطينية، أم أن كل دولة تقرأ الاعتراف وفق مصالحها وحساباتها الخاصة؟
المتتبع للمشهد يدرك أن ثمة فجوة واضحة بين الخطاب والآلية؛ فالمجتمع الدولي، بما فيه الأمم المتحدة ومؤسساتها، لم يقدم بعد إطاراً تنفيذياً موحداً يُلزم إسرائيل بإنهاء الاحتلال ويضمن للفلسطينيين ممارسة سيادتهم الفعلية. الاعتراف، في غياب خطة ملزمة، يتحول إلى ورقة ضغط سياسية على الاحتلال لا أكثر. ولعل التحدي الأكبر يكمن في أن أي اعتراف غير متبوع برؤية مشتركة وآليات إنفاذ سيبقى عرضة للاستهلاك الإعلامي، ويُستعمل في لحظات معينة لتخفيف العبء الأخلاقي عن بعض الدول دون أن يغير الواقع القائم على الأرض.
من هنا، تصبح مسؤولية الدول المعترفة مضاعفة: فهي مطالبة بأن تنتقل من منطق الرمزية إلى منطق الفعل، ومن إعلان المواقف إلى صياغة سياسات متفق عليها، تضع تصوراً واضحاً للدولة الفلسطينية من حيث الحدود الشرعية، البنية الدستورية، وآليات الحماية الدولية. وحده هذا الانتقال يمكن أن يحوّل الاعتراف من فعل تضامني عابر إلى مسار استراتيجي يرسّخ حضور فلسطين كدولة كاملة العضوية في النظام الدولي، ويمنح الشعب الفلسطيني ما حُرم منه طويلاً: حقه الطبيعي في السيادة والحرية وتقرير المصير.

التعليقات معطلة.