إغلاق آخر ممر من جنوب القطاع إلى شماله… كيف يفاقم المجاعة؟

3

A Palestinian sits amid debris at a United Nations school where displaced people were taking shelter, after it was hit in overnight Israeli strikes, amid an Israeli military operation, at Zeitoun neighbourhood in Gaza City, October 1, 2025. REUTERS/Ebrahim Hajjaj


التجار كانوا يستخدمون شارع الرشيد لنقل بضائعهم في أنحاء غزة
نازحون بأمتعتهم على طريق ساحلي باتجاه الجنوب من وادي غزة بعد إعلان الجيش الإسرائيلي إغلاق طريق الرشيد باتجاه الشمال يوم الأربعاء (أ.ف.ب)
غزة: «الشرق الأوسط»
أعلن الجيش الإسرائيلي، الأربعاء، عن إغلاق شارع الرشيد الساحلي أمام الحركة من جنوب قطاع غزة إلى شماله، بينما أبقاه مفتوحاً باتجاه الجنوب أمام من تبقوا داخل مدينة غزة، بهدف الضغط عليهم للنزوح إلى المناطق الوسطى والجنوبية.
وكان الجيش الإسرائيلي قد خصص، قبل عدة أسابيع، شارع الرشيد مساراً مفتوحاً أمام سكان مدينة غزة للنزوح إلى وسط وجنوب القطاع، ما تسبب بحالة ازدحام شديد أبقى السكان على الطريق لساعات طويلة، وصلت إلى سبع ساعات وأكثر، لقطع مسافة كانوا يقطعونها من قبل في ساعة أو أقل.
ويشدد هذا التحرك من حصار متصاعد على من تبقوا داخل مدينة غزة، والمقدر عددهم بنحو 270 ألف فلسطيني لا يزالون في مناطق غرب المدينة وجنوبها، وأجزاء بسيطة من أطرافها الشرقية بالقرب من حيي الشجاعية، والزيتون.
فلسطينية تجلس وسط الحطام في مدرسة تابعة للأمم المتحدة تؤوي نازحين بعد قصفها في حي الزيتون بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
فلسطينية تجلس وسط الحطام في مدرسة تابعة للأمم المتحدة تؤوي نازحين بعد قصفها في حي الزيتون بمدينة غزة يوم الأربعاء (رويترز)
وفور إغلاق الطريق من جانب واحد، هو الجهة الجنوبية نحو الجهة الشمالية، الساعة 12 ظهراً بالتوقيت المحلي، أطلقت طائرات مروحية ومُسيرة النار تجاه غزيين كانوا يقتربون من جهة الجنوب نحو الشمال من شارع الرشيد، وتحديداً وادي غزة، والشارع الجديد المقابل لمحور نتساريم.
ارتفاع «جنوني» في الأسعار
وعقب إعلان الجيش، شهدت مدينة غزة ارتفاعاً حاداً في أسعار المواد الغذائية، وخاصةً الدقيق (الطحين)، بسبب إغلاق الطريق، ومنع تدفقها إلى المدينة، الأمر الذي سيوقع عليهم ضغطاً أكبر للخروج منها، وهو ما تنشده القوات الإسرائيلية للعمل براً بأريحية.
وكانت الأمم المتحدة وخبراء دوليون قد أعلنوا رسمياً، في أغسطس (آب) الماضي، عن تفشي المجاعة على نطاق واسع في غزة. وأفاد منسق الأمم المتحدة للإغاثة في حالات الطوارئ، توم فليتشر، حينها أنه كان من الممكن منع هذه المجاعة «إذا سُمح لنا بذلك… الأغذية تتكدس على الحدود بسبب العرقلة الممنهجة من إسرائيل».
فلسطينية تأكل حفنة أرز من وعاء معدني بعدما حصلت على القليل منه من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
فلسطينية تأكل حفنة أرز من وعاء معدني بعدما حصلت على القليل منه من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
ولاحظت جهات دولية أن «التجويع» في غزة لم يكن عشوائياً، وفق ما أظهرت الأنماط التي لجأت إليها إسرائيل في إدخال المساعدات إلى القطاع طوال فترة الحرب، والتي بدت ممنهجة للموازنة بين ادعاء حكومة بنيامين نتنياهو استمرار إدخالها للمساعدات، والضغط بسلاح «التجويع» لتهجير سكان القطاع.
وقال أحمد بكر، وهو من مخيم الشاطئ غرب مدينة غزة، لـ«الشرق الأوسط» إن السكان فوجئوا فور إعلان الجيش إغلاق الطريق باتجاه الشمال باختفاء سلع تموينية أساسية من الأسواق، في حين ارتفعت أسعار ما بقي مطروحاً في الأسواق «بشكل جنوني».
ولفت إلى أن سكان مدينة غزة كانوا يعتمدون على ما يأتي من بضائع من وسط وجنوب القطاع عبر التجار الذين كانوا ينقلونها حتى قبيل إعلان الجيش صباح الأربعاء.
وينفي المواطنون وجود أي بضائع مخزنة في مدينة غزة، مؤكدين أن المدينة تواجه ظروفاً صعبة في ظل العمليات الإسرائيلية البرية المستمرة التي تتوسع من حين إلى آخر.
تهافت على الحصول على طعام من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
تهافت على الحصول على طعام من تكية خيرية في النصيرات بوسط قطاع غزة يوم الثلاثاء (أ.ف.ب)
ولوحظ فور صدور البيانات الإسرائيلية بدء موجة نزوح جديدة.
العمليات العسكرية
وتتركز عمليات القوات الإسرائيلية في الأجزاء الشمالية، والشمالية الغربية من مدينة غزة، بالإضافة إلى أجزاء من جنوبها، وبعض أطرافها الشرقية، مثل الشيخ رضوان والنصر والشاطئ والنفق والصبرة وتل الهوا، بينما تتقدم أحياناً إلى وسط المدينة، وأطراف حي الرمال، ومحيط مجمع الشفاء ومستشفى الحلو، وسط قصف جوي ومدفعي، وإطلاق نيران من الطائرات المسيرة والمروحية، وغيرها.
وتناور القوات الإسرائيلية في مناطق وسط المدينة، وغيرها، بالتقدم تارة والتراجع تارة أخرى، لتكثيف الضغط على السكان بهدف ترويع من تبقوا لإجبارهم على النزوح، وهو الأمر الذي نجحت فيه نسبياً.
ويبدو أن فشل القوات الإسرائيلية في إرغام بعض السكان على النزوح دفعها إلى إغلاق الطريق باتجاه الشمال، لمنع تدفق الخضراوات، والمواد الغذائية، وغيرها من احتياجات السكان، بهدف حصارهم وتجويعهم بعدما أغلقت نقطة حاجز زيكيم الذي كان ممراً لدخول المساعدات لنحو شهرين قبل أن يتقرر إغلاقه. وفي تلك الفترة قُتل المئات وهم ينتظرون دخول تلك المساعدات.
طائرة تحلق فوق مدينة غزة خلال نزوح فلسطيني جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية يوم الأربعاء (رويترز)
طائرة تحلق فوق مدينة غزة خلال نزوح فلسطيني جراء العمليات العسكرية الإسرائيلية يوم الأربعاء (رويترز)
وقال وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس إن قواته تكمل حالياً السيطرة على الجزء الغربي من محور نتساريم، مؤكداً أنه سيتم تشديد الحصار على سكان المدينة، وأن كل من سيخرج منها سيغادرها عبر حواجز أمنية.
واعتبر أن هذه فرصة أخيرة لسكان غزة الراغبين في الانتقال جنوباً، وترك عناصر «حماس» معزولين في مدينة غزة نفسها في مواجهة عمليات الجيش المستمرة بكثافة، وعدَّ كل من سيبقى في المدينة «إرهابيين»، وداعمين لهم.
وأضاف: «جيش الدفاع الإسرائيلي مستعد لجميع الاحتمالات، وهو مصمم على مواصلة أنشطته حتى عودة جميع الرهائن ونزع سلاح (حماس)، في طريق إنهاء الحرب».
الصليب الأحمر
وأعلنت اللجنة الدولية للصليب الأحمر عن تعليق عملها مؤقتاً بمدينة غزة، ونقل موظفيها إلى مكاتبها في جنوب القطاع، لضمان سلامتهم، واستمرار عملهم؛ مشيرةً إلى أن ما أجبرها على ذلك هو تصعيد العمليات العسكرية في مدينة غزة.
وبينت اللجنة أن هذا يأتي في وقت يواجه فيه عشرات الآلاف من سكان المدينة «ظروفاً إنسانية مروعة، وهم في أمس الحاجة إلى مزيد من المساعدة، في ظل تدهور الوضع»، مؤكدة أن المدنيين يتعرضون للقتل، والنزوح القسري، كما يجبرون على تحمل ظروفٍ قاسية.
فلسطينيون ينزحون بأمتعتهم باتجاه الجنوب من وادي غزة يوم الأربعاء (أ.ف.ب)
فلسطينيون ينزحون بأمتعتهم باتجاه الجنوب من وادي غزة يوم الأربعاء (أ.ف.ب)
وقالت: «عملت فرق الاستجابة الأولية، بمن فيهم جمعية الهلال الأحمر الفلسطيني والدفاع المدني، بلا كلل لتقديم الإغاثة، إلا أن قدرتهم على الحركة والوصول الآمن إلى السكان المدنيين مقيّدة بشدة».
وأكدت اللجنة أنها ستواصل جهودها لتقديم الدعم للمدنيين في مدينة غزة، كلما سمحت الظروف، من خلال مكاتبها في دير البلح، ورفح، والتي لا تزال تعمل بكامل طاقتها، ويشمل ذلك تقديم الشحنات الطبية للمرافق الصحية القليلة المتبقية في مدينة غزة، وبذل قصارى جهدها لتسهيل حركة المسعفين، والمستجيبين الأوائل.
وفي رفح «سيظل مستشفى الصليب الأحمر الميداني شريان حياة للجرحى الذين يتدفقون باستمرار»، وفق بيانها.
ولفتت إلى أنه عقب التصعيد الأخير، بقيت فرقها في مدينة غزة لأطول فترة ممكنة لحماية الفئات الأكثر عرضةً للخطر، ودعمها، مؤكدةً التزامها بالعودة عندما تسمح الظروف بذلك.
وقالت: «لا يزال إنقاذ الأرواح ممكناً. وقف الأعمال العدائية أمر حتمي وعاجل. وبموجب القانون الدولي الإنساني، يجب حماية المدنيين، سواءً بقوا في مدينة غزة، أو غادروها. وإسرائيل، بصفتها القوة المحتلة، ملزمة بضمان تلبية احتياجاتهم الأساسية. ويجب احترام وحماية الطواقم والمرافق والمركبات الطبية، كما يجب احترام أفراد الدفاع المدني وحمايتهم، ويجب السماح بإدخال المساعدات الإنسانية بسرعة ودون عوائق، وتسهيل وصول تلك المساعدات في جميع أرجاء قطاع غزة».

التعليقات معطلة.