خميس بن عبيد القطيطي
التحولات المتسارعة الَّتي تشهدها المنطقة منذ السابع من أكتوبر 2023م أي منذ بداية معركة طوفان الأقصى والعدوان المستمر على قِطاع غزَّة، ومحاولة العدوان تصفية قضيَّة فلسطين الَّتي يناضل شَعبها من أجل نيل حقوقه المشروعة، تنذر بأنَّ المخاطر محدقة بالجميع، ولن يسلم منها أيُّ دولة في المنطقة. ولا شك أنَّ معركة طوفان الأقصى سجلت فصلًا من فصول النضال الفلسطيني ليؤكد أنَّ الحقوق الفلسطينيَّة ستعود رغم أنف الأعداء. ومن الطبيعي أنَّ مشروع التحرير العظيم لا بُدَّ أن يعمَّد بدماء الشهداء على طريق القدس، وأنَّ ما أُخذ بالقوَّة لن يسترد إلَّا بالقوَّة، وهذا الطوفان أكَّد أنَّ فلسطين هي أرض الرباط إلى يوم القيامة. فمهما جاوز الظالمون المدى سوف يرتد هذا العدوان عليهم، وأنَّ الأرض لله يورثها مَن يشاء من عباده الصالحين حقيقة إيمانيَّة راسخة، وأنَّ هذه الأرض ليست هي أرض الميعاد، وأنَّها تواصل انتفاضتها في سبيل التحرير، وأنَّ أولئك القادمين من وراء البحار من بني صهيون لا مكان لهم على أرض فلسطين، فالصراع هو صراع وجود لا صراع حدود.
الطوفان العظيم شكَّل حالة عزلة دوليَّة، وعرَّى السرديَّة الصهيونيَّة أمام المُجتمع الدولي، ما وضع كيان الاحتلال في حالة عزلة دوليَّة وفي أزمة داخليَّة عميقة رغم التشدق بتحقيق انتصار، لكنَّه على المستوى الاستراتيجي يسجل فشلًا ذريعًا للصهيونيَّة.. وهناك جيل مقاوم يستنسخ الآن، فقد عاش المعاناة وأدرك تفاصيلها ولا يوجد أمامه سوى هدف واحد هو طرد العدوِّ من أرضه وتحقيق مشروعه واستعادة حقوقه، وهو ما يتجسد اليوم على أرض فلسطين.
طوفان الأقصى فتح جبهات عديدة فيما سُمي بوحدة الساحات من اليمن إلى العراق إلى جنوب لبنان، ويتصدر هذا المحور جمهوريَّة إيران الإسلاميَّة وما زالت هذه الجبهات باقية، فاختلط الدم الفلسطيني مع دماء الشهداء في كل الساحات المقاومة، بل إنَّ العالم كُلَّه يثور في وجْه الصهيونيَّة، وهذا يُعَدُّ من أهم خطوط التأثير على جبهات الصراع بَيْنَ الحقِّ والباطل. ونتيجة هذه الأزمة الخانقة الَّتي يعيشها الكيان الصهيوني، بدأ يوسِّع ضرباته، فلم تسلَمْ من تلك الضربات دول عديدة في المنطقة، وتهديداته تتوسع لتشمل دولًا أخرى.
أمام هذه التقلبات الَّتي تعصف بالمنطقة والعالم فإنَّ الأمن القومي الإقليمي أصبح على المحك، وأصبحت المنطقة بِرُمَّتها مهدَّدة وجميع الدول العربيَّة والإسلاميَّة المؤثرة في الدائرة الإقليميَّة معرَّضة للاستهداف الصهيوني المدعوم أميركيًّا، وبالتالي باتَ على الدول العربيَّة والإسلاميَّة أن تنشئ حلفًا دفاعيًّا إقليميًّا لمواجهة تلك المخاطر المحدقة.
اتفاقيَّة الدفاع السعودي ـ الباكستاني المشترك تُعَدُّ من أهم الاتفاقات الدفاعيَّة الَّتي تستدرك تلك المخاطر والتهديدات، لا سِيَّما وأنَّ التحالفات التقليديَّة مع القوى الدوليَّة أثبتت أنَّها لا توفِّر الحماية حتَّى لأقرب الحلفاء، وبات من الضرورة تشكيل تحالف إقليمي وازن. ومن الأهميَّة بمكان تطوير التحالف السعودي ـ الباكستاني ليشمل دولًا إقليميَّة مثل مصر وتركيا وإيران، وانضمام دول عربيَّة أخرى؛ لِيشكِّلَ مصدًّا دفاعيًّا فيما لو حدَث ـ لا سمح الله ـ استهداف وتعرضت أيُّ دولة من دول المنطقة لعدوان في المستقبل.
إنَّ المنطقة اليوم معرضة لتهديدات خطيرة على الأمن القومي بسبب هذا الانفلات الصهيوني، وبات لزامًا إيجاد صيغة تحالف إقليمي وازن يتصدى لأيِّ تهديد، وإلَّا فإنَّ كُلَّ الدول العربيَّة والإقليميَّة الفاعلة مهدَّدة عن بكرة أبيها، بل إنَّ هناك إرهاصات لمواجهات عالميَّة قد تحدُث بَيْنَ القوى الدوليَّة الَّتي تتصارع على القطبيَّة، وأيُّ صراع من هذا النوع ستكُونُ هذه المنطقة جزءًا منه؛ ما يتطلب أن تتجه المنطقة لمراجعة تحالفاتها وإعادة تشكيل تحالفات إقليميَّة وازنة.
خميس بن عبيد القطيطي