ماذا يفعل من بقي من الغزيين على قيد الحياة؟

2

باسم برهوم

أول ما قد يفعله الغزي بعد وقف إطلاق النار، انه سيقوم بتلمس جسده ليتأكد انه سليم بلا نقص، وانه يستطيع ان يرى ويسمع ويشم، بعد هذا التفحص يشعر بالفرح، ثم يبدأ بالتفكير بأحبائه، ان كانوا ابناءه أو بناته أو زوجته، وعندما يجد أنهم جميعا أحياء وبخير وأجسادهم بلا نقص، يشعر بفرح اكبر، ويلمس من حوله فرحه دون ان يبوح به.

بالإمكان تخيل خطوته التالية، ان يمشي نحو البحر يقف بالضبط على الخط الفاصل بين البحر والرمل، يشعر بقدميه العاريتين بالرمل المبلل والأمواج الخفيفة المتدافعة بلا توقف. علاقة الغزاوي بالبحر تختلف عن اي علاقة، فهو بعد عقود طويلة من العيش في شريط بري رغم انه متصل باليابسة إلا انه اشبه بجزيرة معزولة، فالبحر هو ملاذ الغزاوي الوحيد للترويح عن النفس، للتأمل، والشعور انه جزء من عالم ممتد بعيدا في الافق، والبحر مصدر الرزق، وممارسة الرياضة بلا أي تكلفة، والبحر مصدر الالهام ويوفر لحظات الحب الاول بين المراهقين.

بعد وقف إطلاق النار، وبشكل تلقائي يمشي الغزي نحو البحر ليتنفس الصعداء، ليأخذ نفسا عميقا، وليستمد بعضا من الأمل، فالبحر لا يزال هنا، البحر صديق كل الغزيين لا يزال هنا، ومنه يستمدون الرغبة باستمرار الحياة.

قد يقرر ان يبقى هناك لدقائق او أكثر بقليل، كفاصل موسيقي قصير، موسيقى ناعمة تدخل مباشرة للاحساس. ينظر للأفق، للون البحر المتغير ضمن اللون  الازرق والازرق المائل للخضرة. قد يجلس بهدوء على الرمل وبعد استراحة قصيرة يعود من حيث أتى للواقع.. واقع الفقدان والتشرد.. واقع العجز، لا بيت.. ولا عمل، ولا أمل قريب بالحصول على مأوى مناسب قبل حلول موسم البرد والمطر. يعود للاسئلة الصعبة الثقيلة التي تبقى بلا إجابات، ومن فقد احباء له سيشعر بعد صمت المدافع والانفجارات بحسرة اعمق.

من البحر يستمد الغزيون الأمل، وهم بلا منازع الاكثر مهارة بنسج الأمل من المستحيل، كما في كل الاساطير القديمة سينهض البطل الغزاوي من بين رماد الحرب والحرمان والبؤس، سينهض، مسلحا بتجربة علمته كيف يبتكر بقاءه من ابسط الاشياء وفي اصعب الظروف. الغزاوي بفلسطينيته سيطور حياته اسرع مما يتوقع العالم، سيجد طريقه للبقاء، وتهيئة الظروف كي يعلم ابناءه ويجدون العلاج والرعاية، والابناء والبنات بعد كل ما مروا به ستكون قدرتهم على التعلم والابداع والابتكار أكبر، سنرى مجتمعا متكافلا متضامنا سينخرط بسرعة في صناعة مستقبله ومواجهة التحديات.

الغزاوي الفلسطيني لن يتوقف، سيتحرك بسرعة ليعيد بناء نفسه. يروي ملحمة معجزة بقائه، كل غزاوي كان بطلا لروايته والبحر في غزة له روايته.

التعليقات معطلة.