رياح تشرين تبعثر التوازنات.. السنة لرئاسة الحكم والإطار يتشبث بـ”الكتلة الأكبر”

3

يتفق ثلاثة قادة في الإطار التنسيقي الذي يجمع القوى السياسية الشيعية الحاكمة في العراق، على أن الحديث عن إمكانية حصول المكون السنّي على منصب رئاسة الوزراء في الانتخابات المقبلة لا يتعدى كونه دعاية انتخابية، ومحاولة لاستثارة عواطف الناخبين السنّة قبيل الاستحقاق البرلماني المقرر في تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل.
ويؤكد هؤلاء القادة لوكالة شفق نيوز، أن منصب رئيس الوزراء محسوم للمكون الشيعي وفقاً لـ”التوازنات السياسية” التي تشكّلت بعد 2003، ولا يمكن تجاوزها أو التلاعب بها، حتى في حال حصول السنة أو الكورد على مقاعد برلمانية متقدمة.
كما يعتبرون أن ما يُطرح من قبل بعض الأطراف السنية في هذا السياق هو مجرد وهم لا يمتّ للواقع بصلة، وقد يؤدي إلى تأزيم الوضع السياسي وإعادة الطائفية إلى الواجهة.
“السنة يحلمون”
وفي هذا السياق، يقول زهير الجلبي، القيادي في ائتلاف دولة القانون بزعامة نوري المالكي، إن بعض القوى السنية تحاول تكرار سيناريو انتخابات 2021 من خلال السعي لتشكيل تحالف يقود إلى تغيير موازين القوى، لكنه وصف هذه المحاولات بـ”الأحلام التي لن تتحقق”.
ويضيف الجلبي لوكالة شفق نيوز أن “في 2021، حاول السنة والجهات المتحالفة معهم بناء ائتلاف ثلاثي، لكن المشروع فشل بعد انسحاب التيار الصدري من العملية السياسية، والآن، يسعى السنة لإعادة التجربة في الانتخابات المقبلة عبر ضخ هائل للأموال والدعاية في بغداد، على أمل تحقيق الأغلبية فيها والسيطرة على السلطة، لكن هذا التفكير خاطئ”.
ويؤكد أن “رئاسة الوزراء لن تخرج من يد المكون الشيعي، وقد يحقق السنة أغلبية في محافظاتهم، لكن المحافظات الأخرى مغلقة شيعياً، وأي محاولة لسحب السلطة من الشيعة مستحيلة”.
“الحكم للأغلبية”
من جهته، يعتبر مختار الموسوي، النائب عن تحالف الفتح بزعامة الأمين العام لمنظمة “بدر” هادي العامري أن حماسة بعض القوى السنية للحصول على منصب رئاسة الوزراء تُقابلها ضرورة في تنشيط جمهور الإطار التنسيقي انتخابياً.
ويقول الموسوي لوكالة شفق نيوز: “يبدو أن هناك تحمّساً من السنة تجاه رئاسة الوزراء، لكن هذا الأمر مستبعد، في حين لا يزال الشيعة يجاملون السنة بالمحاصصة، رغم أن المكون الأكبر في أي نظام ديمقراطي هو من يحكم”.
ويشدد على أن “بذخ الأموال من قبل السنّة في الدعاية الانتخابية لن يغيّر المعادلة، فالاستحقاق التنفيذي الأول في العراق مرتبط بالمكون الأكبر، وهو الشيعي”.
التوازنات السياسية
أما فهد الجبوري القيادي في تيار الحكمة الوطني بزعامة عمار الحكيم، فيقلل من أهمية الجدل الدائر حول أحقية المكونات بمنصب رئاسة الوزراء، مؤكداً أن ذلك “محسوم ومتفق عليه بين الأطراف الرئيسية”.
ويوضح الجبوري لوكالة شفق نيوز أن “الحديث عن انتقال رئاسة الوزراء إلى السنة لا يُناقش أصلاً في اللقاءات السياسية، لأن هذا الأمر من الثوابت، والتوازنات السياسية تضمن لكل مكون منصبه، ولا أحد يرغب بتغيير هذه المعادلة”.
ويضيف أن “استثارة الجمهور السني أو الشيعي بهذه القضايا هدفها حشد الأصوات، لكنها لا تعبّر عن واقع سياسي، فالسنة والكورد يدركون تماماً أن منصب رئاسة الوزراء للشيعة، حتى لو تغيّرت بعض المواقف الانتخابية أو غاب التيار الصدري عن المشهد”.
ويؤكد أن “المنافسة الانتخابية يجب أن تتركز على البرامج والخدمات، لا على تأجيج الطائفية أو التلاعب بالثوابت السياسية”.
وكان الصدر، قد أعلن في آذار/مارس 2025، عن عدم مشاركته في الانتخابات المقبلة، معللاً ذلك بوجود “الفساد والفاسدين”، فيما بين أن العراق “يعيش أنفاسه الأخيرة”.
وقرر الصدر، في حزيران/يونيو 2022 الانسحاب من العملية السياسية في العراق، وعدم المشاركة في أي انتخابات مقبلة حتى لا يشترك مع الساسة “الفاسدين”، بعد دعوته لاستقالة جميع نوابه في البرلمان والبالغ عددهم 73 نائباً.
الأغلبية للبيت الشيعي
من جانبه، يشدد الباحث السياسي خطاب التميمي، على أن العرف السياسي منذ عام 2006 حتى اليوم يعطي رئاسة الوزراء للكتلة البرلمانية الأكبر، وهي غالباً داخل “البيت الشيعي”.
ويقول التميمي لوكالة شفق نيوز: “لا يوجد زعيم سنّي يتحدث بجدية عن رئاسة الوزراء ما لم يكن هناك اتفاق على مستوى الأغلبية البرلمانية، وهذا لم يتحقق حتى الآن، فالسنة والكورد يصوتون على من تختاره قوى الإطار التنسيقي”.
ويشير إلى أنه “حتى في حال تحالف بعض الشيعة مع السنّة أو الكورد لاختيار رئيس وزراء خارج هذا الإطار، فستكون ممارسة ديمقراطية، لكنها نادرة وغير مرجحة، فإن القوى الشيعية تعتبر رئاسة الوزراء خطاً أحمراً”.
“مطالبات مرفوضة”
وفي موقف لافت من داخل المكون السني، يشدد القيادي العشائري مزاحم الحويت، على أن رئاسة الوزراء “منصب محسوم للشيعة”، مشيراً إلى أن هذا التفاهم جاء نتيجة للاتفاق السياسي بعد 2003، ويجب احترامه.
ويقول الحويت لوكالة شفق نيوز إن “الشيعة هم المكون الأكبر وكان لهم دور في إسقاط النظام السابق، وهم يمثلون العراق بمنصب رئيس الوزراء، أما الحديث عن تغييره فهو مرفوض، وقد يكون مدفوعاً بأجندات خارجية تريد زعزعة استقرار العراق”.
ويرجّح الحويت إمكانية التفاوض بين السنة والكورد على تبادل منصبي رئاستي الجمهورية والبرلمان، لكنه أكد أن “رئاسة الوزراء خط أحمر متفق عليه”.
في حين رأى الباحث في الشأن السياسي عبد القادر النايل، أن “انتقال منصب رئيس مجلس الوزراء إلى المكونات العراقية الأخرى بات ضرورة وطنية وحاجة عراقية حيث تمتعت الأحزاب المحسوبة على المكون الشيعي طوال 22 عاماً من أشغال منصب رئاسة الوزراء وهي فترة طويلة وكافية”.
وبين النايل، لوكالة شفق نيوز، أنه “من باب العدالة السياسية فإن من حق المكون السني أو الكوردي أو التركماني أن يشغل منصب رئاسة الوزراء لإعطاء فرصة للمكونات العراقية من تقديم كفاءتها والمشاركة في رأس هرم السلطة التنفيذية وإدارة الدولة حتى تكون مشاركة للعملية السياسية وإعطاء فرصة شرف خدمة العراق”.
وأكد أن “هذه المناصب يجب أن لا تخضع لعدد المقاعد البرلمانية إنما إلى توافقات دولية وإقليمية ومحلية ولذلك نحن مع تدوير المناصب بين المكونات السياسية ومنها منصب رئاسة مجلس الوزراء والآن هو الوقت المناسب لإعطاء المكون السني هذا المنصب ولفترة واحدة أي أربع سنوات ومن ثم بعدها المكون الكوردي”.
“لا نص دستورياً”
وفي توضيح قانوني للمسألة، يؤكد الخبير القانوني عباس العقابي، أن الدستور العراقي لا يحتوي على أي نص يمنح رئاسة الوزراء للشيعة، أو رئاسة البرلمان للسنة، أو رئاسة الجمهورية للكورد، لكن هذا التوزيع جاء نتيجة توافقات سياسية عقب عام 2005 لاحتواء الأزمة بعد مقاطعة السنة للانتخابات آنذاك.
ويوضح العقابي لوكالة شفق نيوز أن “المادة 76 من الدستور تنص على أن رئيس الجمهورية يكلّف مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً لتشكيل الحكومة، وبما أن الغالبية العددية للمكون الشيعي، فإن رئاسة الوزراء تؤول لهم”.
ويبيّن العقابي، أن “الكتل الشيعية مجتمعة تمتلك ما بين 180 إلى 185 مقعداً من أصل 329، أي قرابة الثلثين”، ما يمنحهم القدرة ليس على الاحتفاظ بمنصب رئاسة الوزراء فقط، بل نظرياً أيضاً على الحصول على رئاستي البرلمان والجمهورية، في حال لم يتم الالتزام بالتوافقات السياسية التقليدية.
وخلص الخبير القانوني إلى القول إن “رئاسة الجمهورية تحتاج إلى أغلبية الثلثين (220 نائباً)، ولهذا يُضطر الشيعة للتحالف مع الكورد في هذا الجانب، لكن في حال قرروا الابتعاد عن التوافقات، يمكنهم الاستحواذ على رئاستي الوزراء والبرلمان دون عائق دستوري لتحقيقهم الأغلبية المطلقة”.

التعليقات معطلة.