أحمد جمعة
تتحفظ الفصائل والكيانات الفلسطينية على خطة الرئيس الأمريكى دونالد ترامب حول تشكيل ما يعرف بـ”مجلس السلام” لإدارة قطاع غزة، وذلك بسبب تخوفهم من الوصاية الدولية وتعزيز انقسام القطاع عن مدن الضفة الغربية مما يهدد مشروع إقامة الدولة المستقلة على حدود 4 يونيو عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، ويواصل الاحتلال الإسرائيلى مخططاته بتسريع وتيرة الاستيطان فى الضفة الغربية والاستمرار فى تهويد مدينة القدس الشرقية وتعزيز الانفصال بين غزة والضفة.
يتخوف الشعب الفلسطينى من تكرار تجربة كوسوفو التى تمثل المحاولة الأكثر طموحا للإدارة الدولية المباشرة والتى لا تزال تداعياتها ماثلة حتى يومنا هذا، حيث أشرفت الأمم المتحدة وحلف الناتو على إدارة كوسوفو عقب نزاع عرقى عنيف، فبعد أكثر من شهرين من القصف الجوى الذى شنه حلف الناتو على يوغوسلافيا عام 1999 دون تفويض من مجلس الأمن، تم تبنى قرار مجلس الأمن رقم 1244 والذى نص على نشر بعثة عسكرية للناتو إلى جانب بعثة للأمم المتحدة لتولى الإدارة المدنية المؤقتة.
المشكلة تكمن فى نموذج كوسوفو هو عدم وضع جدول زمنى وأهداف محددة متفق عليها دوليا، مما خلق حالة من الغموض الاستراتيجى وأسس لوصاية دولية تمتلك سلطة شبه مطلقة داخل كوسوفو.
الإدارة الدولية فى كوسوفو اتبعت سياسة التغاضى عن الاقتتال الداخلى والعنف الذى مورس ضد الأقلية الصربية والأقليات الأخرى، ما تسبب فى عواقب مدمرة حيث ساهمت الإدارة الدولية بشكل مباشر فى ترسيخ ثقافة الإفلات من العقاب والإقصاء المتعمد فى ظل التقاعس القضائي.
نفس المشهد يتكرر حاليا فى قطاع غزة مع رفض حركة حماس أن تسلم أسلحتها وذلك لتخوفها من سياسة الاقصاء أو الانتقام من عناصر الحركة التى ارتكبت جرائم قتل بشعة فى انقلاب عام 2007، فضلا عن ممارستها للعنف والإقصاء ضد عدد من العائلات الفلسطينية وكان آخرها الاعدامات الميدانية التى ارتكبتها الحركة داخل القطاع، مما يتطلب حوارا وطنيا فلسطينيا شاملا لمعالجة هذه القضايا وهو الاجتماع الذى تجرى مصر ترتيبات لاستضافته بحضور 14 فصيل فلسطيني.
الخطر الداهم الآن حول إدارة غزة يكمن فى مشاركة شخصية تونى بلير رئيس الوزراء البريطانى الأسبق فيما يسمى “مجلس السلام” حيث تربطه علاقات واسعة مع شركات عقارية سيسعى لترسيخ دورها فى ملف إعادة الاعمار، وهو ما يشكل خطرا بسبب تضارب المصالح المنهجى الذى سيؤدى إلى تحول الوصاية إلى بوابة للاستغلال الاقتصادى بشكل كبير، وهو ما سيفتح باب الفساد بين الشخصيات الدولية التى سيسند إليها ملف إدارة القطاع.
ويرتبط تونى بلير بعلاقات متشعبة مع شخصيات إسرائيلية مسئولة وفى مقدمتها رئيس الوزراء الإسرائيلى المتطرف بنيامين نتنياهو وعدد من المستثمرين الصهاينة، وهذا يهدد ملف إعادة اعمار غزة حيث ستتحكم إسرائيل عن طريق بلير فى آلية إعادة الاعمار وتأخيره بشكل كبير انتقاما من غزة التى سجلت انتصارا كبيرا على المحتل برفض التهجير القسرى والتمسك بالأرض والتصدى للمخططات الإسرائيلية.
من الضرورى أن يكون هناك اجماع دولى واضح حول خطة إدارة قطاع غزة مع العمل على تحديد الهدف السياسى النهائى الذى يدفع نحو تقرير المصير للفلسطينيين، فالإدارة المؤقتة دون أفق سياسى واضح سينتج عنها حالة من عدم اليقين، فضلا عن ملف الأمن والاستقرار الذى يؤرق المواطن الفلسطينى الذى يعيش ظروف صعبة فى ظل لجوء حماس للإعدامات الميدانية بعيدا عن دولة القانون التى يتطلع لها سكان غزة وهو ملف غاية فى الخطورة ويحتاج لخطة محكمة لمعالجته.
وتتوافق الأطراف والمكونات الفلسطينية الفاعلة على الخطة المصرية التى تحظى بدعم عربى وإسلامى بتشكيل لجنة الإسناد المجتمعى من 15 شخصية تكنوقراط فلسطينية تعمل على وضع رؤية محددة لإدارة غزة بعيدا عن صراعات الفصائل وتعمل من أجل إعادة اعمار غزة ودعم تجديد شرعية المؤسسات الفلسطينية بالإشراف على إجراء الانتخابات ومعالجة شواغل الفلسطينيين بعيدا عن الوصاية الدولية.
الواضح أن الحكومات الإسرائيلية التى قبلت بخطة ترامب على مضض ستسعى للالتفاف على الخطة من خلال العمل على تأخير إعادة اعمار غزة كى تدفع البيئة الطاردة فى القطاع السكان للهجرة خارج فلسطين انتظارا للإعمار وتوفير أفق سياسى واضح، فضلا عن التخوفات من محاولة ترسيخ الاحتلال لفكرة أن غزة هى الكيان الذى يتبع الفلسطينيين فقط بعيدا عن الضفة الغربية والقدس، وهو ما يتطلب دورا مصريا وعربيا ودوليا فاعلا يدفع نحو إحياء الحل السلمى والتأكيد على حقوق الفلسطينيين المشروعة وفق القرارات الأممية ومنها القرار 242.

