لم يجلب الرئيس الأميركي السلام إلى غزة، بل قدم لإسرائيل “نصراً”، والرئيس الأوكراني يتوجه إلى واشنطن آملاً بالحصول على المستوى نفسه من الدعم العسكري
سام كيلي محرر شؤون دولية
أبقت كييف الروس الغزاة بعيداً منها حتى بعد خسارة عشرات الملايين من المساعدات العسكرية الأميركية (أ ب)
ملخص
يراهن زيلينسكي على إقناع ترمب بأن دعمه العسكري لأوكرانيا يمكن أن يحقق له “نصراً” مشابهاً لما يتباهى بأنه حققه في غزة. فبينما يواصل ترمب تسويق وهمِ أن تسليح إسرائيل صنع السلام، يأمل زيلينسكي أن يدفع هذا الاعتقاد الرئيس الأميركي إلى تسليح كييف بما يكفي لإجبار بوتين على التراجع.
يبدو أن الوهم العالمي بأن النهج الدبلوماسي الغريب لدونالد ترمب قد أفضى إلى وقفٍ لإطلاق النار – أو حتى إلى “سلام” – في غزة، يجد صدى واسعاً لدى الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، وهو يستعد هذا الأسبوع للقاء في البيت الأبيض.
فمن المريح لزيلينسكي أن ينضم إلى جوقة الزعماء الذين يمدحون ترمب بزعم أنه دفع بنيامين نتنياهو إلى قبول وقف إطلاق النار، بدلاً من قول الحقيقة: أن رئيس الوزراء الإسرائيلي لم يعد بحاجة إلى استمرار الحرب.
فبحسب كلمات ترمب أمام الكنيست، فإن نتنياهو قد “انتصر” في غزة.
وقد شرح الرئيس الأميركي كيف تحقق ذلك، في وقت يسعى زيلينسكي إلى تحقيق نصر مماثل.
قال ترمب: “نحن نصنع أفضل الأسلحة في العالم، ولدينا منها الكثير، وبصراحة قدمنا الكثير منها لإسرائيل، وبيبي (نتنياهو) كان يتصل بي مرات عدة قائلاً: ’أيمكنني أن أحصل على هذا السلاح، وذاك السلاح، وذلك السلاح؟’ بعضها لم أسمع به من قبل يا بيبي، لكني صنعتها، وكنا نحصل عليها هنا دائماً، أليس كذلك؟”.
ويضيف: ” وهي الأفضل بلا شك. أنتم تستخدمونها بكفاءة عالية، لكن كثرتها جعلت إسرائيل قوية وذات نفوذ، وهو ما أدى في النهاية إلى السلام. هذا ما صنع السلام”.
2.jpg
دونالد ترمب يتفاخر بالأسلحة التي زودت بها الولايات المتحدة إسرائيل – زيلينسكي يريد جزءاً من هذا الدعم (غيتي)
ويظل الجدل قائماً حول ما إذا كان ترمب قادراً فعلاً على إجبار نتنياهو على إنهاء حملته في غزة في وقت أبكر، عبر وقف إمدادات السلاح فور تسلمه المنصب. فقد كانت إسرائيل لا تزال تقاتل لتدمير حركة “حماس”، وتواصل حملتها في غزة، مسويةً القطاع بالأرض، وقاصفةً المستشفيات، ومقيدةً دخول المساعدات الإنسانية وسط اتهامات واسعة بارتكاب إبادة جماعية.
وكان الهدف المعلن لإسرائيل هو القضاء على “حماس”، لكن نهج الأرض المحروقة حقق الهدف الاستراتيجي الحقيقي: جعل غزة غير صالحة للعيش. فأي غزّيّ يستطيع المغادرة سيفعل، لينضم إلى نحو ستمئة ألف فلسطيني آخرين هاجروا خلال العقدين الماضيين.
ومع ذلك، واصل ترمب تزويد إسرائيل بالسلاح، تماماً كما أوقف الإمدادات إلى أوكرانيا، محاولاً فرض وقفٍ لإطلاق النار وخطة سلام كانت تصب بالكامل في مصلحة فلاديمير بوتين آنذاك.
لكن أوكرانيا واصلت القتال، وطورت صواريخ بعيدة المدى وطائرات مسيّرة تنفذ ضربات داخل الأراضي الروسية على عمق خمسة آلاف كيلومتر، بينما سارعت أوروبا إلى سد فجوة السلاح. وتمكنت كييف من صد الغزو الروسي على رغم خسارتها عشرات المليارات من المساعدات العسكرية الأميركية.
أما إسرائيل، فاستمرت في تلقي تدفق ثابت من القنابل والطائرات والصواريخ والمعلومات الاستخباراتية طوال حملتها في غزة، ما دفع ترمب في النهاية إلى أن يقول لنتنياهو: ” أود أن أهنئك على شجاعتك في أن تقول: كفى، لقد انتصرنا”.
3.jpg
على رغم قطع إمدادات الأسلحة الأميركية، أوكرانيا تحارب. (اللواء 65 ميكا الأوكراني)
لدى زيلينسكي فريق يتوجه حالياً إلى الولايات المتحدة لإجراء محادثات مع إدارة ترمب حول فرص جني الأرباح من إعادة إعمار بلاده، وإصلاح البنية التحتية للطاقة، واستثمار ثرواتها المعدنية.
وهو يعلم أنه في الوقت الذي يشعر فيه ترمب بالغبطة لما يعتقد أنه قد حققه في غزة، قد يُفتن بالفكرة فيسهم في دعم أوكرانيا.
اقرأ المزيد
أثرت في قرارات ترمب بشأن إسرائيل… من هي ميريام أديلسون؟
اتفاق غزة “غامض” كمستقبل فلسطين
احتمالات رحيل زيلينسكي وترشح زالوغني رئيسا لأوكرانيا
طريق ترمب الطويل إلى سلام المنطقة
قال ترمب في كلمته أمام الكنيست: “علينا أن ننتهي من روسيا، علينا أن نحسم هذا الأمر”، قبل أن يلتفت مباشرة إلى مبعوثه ستيف ويتكوف قائلاً: “إن لم تمانع يا ستيف، فلنركّز على روسيا، وسننجز ذلك”.
لم تهدد الولايات المتحدة روسيا حتى الآن سوى بعقوبات اقتصادية في عهد ترمب. ولطالما كانت تجارة الولايات المتحدة مع روسيا محدودة.
لكن هناك مؤشرات طفيفة على أن ترمب بدأ يفقد صبره تجاه بوتين، إذ إن الأخير لم يحقق الأهداف التي كان يسعى إليها في أوكرانيا.
وفي إسرائيل، كان نتنياهو يواجه معارضة داخلية متزايدة لاستمرار حملته في غزة، حتى من داخل قواته المسلحة. وقد وصفت الأمم المتحدة عملياته في القطاع بأنها إبادة جماعية، فيما كانت إسرائيل تواجه احتمالاً حقيقياً بفرض مقاطعات اقتصادية دولية وسحب استثمارات وفرض عقوبات.
وعلى عكس روسيا، لا تمتلك إسرائيل نفطاً أو غازاً لتمويل حربها، فهي بحاجة إلى الدعم المالي الأميركي للقيام بذلك، وإلى الأسلحة الأميركية لمواصلة حملتها.
4.jpg
زيلينسكي يقف لالتقاط صورة مع جنود أوكرانيين في مواقع الجبهة الأمامية في موقع غير معلوم في منطقة دونيتسك في سبتمبر (أيلول) (المكتب الإعلامي للرئاسة الأوكرانية)
لقد أوقفت إسرائيل قتالها في غزة لإخراج آخر الرهائن وتجنب المزيد من العزلة الدولية.
لكي يتوقف بوتين، يعلم زيلينسكي أنه يحتاج مساعدةً من ترمب بشكلٍ عسكري حقيقي. ولكي يحدث اختراق نحو محادثات سلام أو، والأفضل، انهيار القوات الروسية الغازية في أوكرانيا، زيلينسكي بحاجة لأن يفرض ترمب ضغطاً حقيقياً يجعل بوتين يشعر بالخطر فعلاً.
يبدو أن البيت الأبيض يتجه تدريجاً في هذا المسار. إدارة ترمب تدرس حالياً احتمال بيع صواريخ توماهوك المجنحة لأوكرانيا، وهي أسلحة قادرة على ضرب أهداف داخل العمق الروسي. كييف تضرب بالفعل شبكات الوقود والطاقة في موسكو، لكنها قد تحتاج إلى دعم إضافي لاستهداف أنظمة القيادة والتحكم بدقة.
كذلك زيلينسكي في حاجة ماسة إلى الدفاعات الجوية، إذ كثفت موسكو مساعيها لتدمير شبكات الطاقة الأوكرانية مع اقتراب فصل الشتاء. وقد أصبح أكثر من ثلاثين ألف شخص من دون كهرباء في خاركيف ليلة الإثنين بعد موجات من الهجمات الجوية من روسيا.
قال ترمب إنه يعتقد أن أوكرانيا يمكن أن تنتصر في حربها وتدحر “نمر بوتين الورقي”.
وبما أن ترمب نفسه قد اعترف بأن “انتصار” إسرائيل في غزة كان بسبب الأسلحة الأميركية، فإن زيلينسكي يتوجه إلى واشنطن بطلب واحد: “أعطني الأسلحة وسأحرق ذلك النمر”.

