باسم برهوم
يمضي المسؤولون الأميركيون اوقاتا في المنطقة أكثر بكثير مما يمضون في واشنطن، فمنذ ان اعلن الرئيس ترامب خطته للسلام، طغى المشهد الاميركي على ما سواه، وبدت جميع دول المنطقة تعمل على وقع تصريحات ترامب اليومية، كما يتفق كثيرون مع مقولة ان قمة شرم الشيخ كانت مهرجانا واحتفالا للنصر الأميركي بعد عامين من الحرب تغير خلالهما الشرق الأوسط كثيرا. الاعتراف بالنصر الأميركي ليس اعترافا عربيا، قمة الشرم الشيخ اظهرت انه اعتراف إقليمي ودولي. وبالتالي على جميع الأطراف اخذ ذلك بالاعتبار.
علاقة واشنطن مع الشرق الأوسط بدأت خلال الحرب العالمية الثانية، عندما قررت الولايات المتحدة انهاء عزلة استمرت 150 عاما، فباستثناء بسيط خلال الحرب العالمية الأولى وما بعدها بقليل، بقيت الولايات المتحدة منذ نشأتها تحافظ على عزلتها، مبتعدة عن التطورات والأزمات الدولية، وبالتالي عن لعب اي دور في السياسة الدولية.
اندفاع واشنطن نحو الشرق الاوسط جاء بفعل ثلاثة عوامل في حينها، الاول يتعلق بالمسألة اليهودية، عندما اقحم اللوبي الصهيوني الولايات المتحدة في حملة ضغط على بريطانيا لتفتح ابواب فلسطين للاجئين اليهود، والناجين من المحرقة النازية في اوروبا، ومن اجل إقامة الدولة اليهودية في فلسطين.
والثاني، عامل النفط والتنافس في حينه مع بريطانيا على نفط الشرق الأوسط.
اما العامل الثالث والأخير، والذي تطور بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، والمتعلق بالسياسة الأميركية لمنع الزحف السوفييتي نحو المنطقة، في إطار بدء ما بات يعرف لاحقا بالحرب الباردة بين الشرق والغرب.
واليوم وبالرغم من طغيان المشهد الاميركي في الشرق الأوسط، إلا ان تحت الطبقة الأميركية المهيمنة رمادا مشتعلا.
لنبدأ هنا من محاور تتنافس بوضوح، وهي وان بدا بعضها تتفق، او متفقة في المؤتمرات والمناسبات، فإن حروبا قاسية تجري من تحت رماد المشهد الخارجي، كما ان تركيا لها مشروعها وبيدها اوراق قوية، خصوصا بعد التغير الذي جرى في سوريا، اما ايران فهي تحاول اليوم، وان بصعوبة، ترميم نفسها ومحورها الذي هو وهي تلقوا ضربات قاسية.
اما القضية الاخطر، التي كانت تقف خلف احباط كل الترتيبات السابقة، فهي القضية الفلسطينية، والصراع الفلسطيني الإسرائيلي، وهو صراع معقد، فضل الأخيران إدارته ولم يصروا على إيجاد حل له. فكان في كل مرة ينفجر في وجوههم.
المملكة العربية السعودية، وهي الدولة العربية الأولى التي بدأت علاقات مع الولايات المتحدة، عندما التقى الرئيس روزفلت مع الملك عبدالعزيز آل سعود على ظهر مدمرة اميركية في قناة السويس في مطلع عام 1945، وبالمناسبة كان الملك عبدالعزيز اول زعيم عربي يتواصل بالرسائل مع رئيس اميركي، فقد دعا روزفلت في رسالته الى منع إقامة دولة يهودية في فلسطين، والى المحافظة على الحق الفلسطيني، السعودية صاحبة اقدم علاقة مع واشنطن عملت خلال الأشهر الماضية بتعاون مع فرنسا بهدف لفت نظر الرئيس ترامب لهذا المأزق، ومرة اخرى قدمت له ما يسهل طريقه وهو حل الدولتين.
الجميع يراقب ان الولايات المتحدة بدأت بإقامة بنية لوجستية مباشرة، ولكن اذا اقتصرت حلولها على اللوجستيات ولم تدخل إلى جوهر الصراع، الذي كان ينفجر في وجه كل المحاولات السابقة، فإنها ستواجه المصير نفسه.
هناك مسار جدي وآخر مزيف غير حقيقي. الاول يقود لشرق اوسط جديد مستقر وآمن ومزدهر، يسوده السلام والتعاون، وهو مسار لا بد ان يبدأ من تسوية الصراع الفلسطيني الإسرائيلي على اسس عادلة، اما المسار المزيف التلفيقي لن يقود إلا إلى حروب اخرى.
الشعب الفلسطيني وقيادته المعترف بها لديهم شغف لاحلال السلام، وبغض النظر من يأتي به، ولكن ليس السلام بلا ثمن، السلام الذي يقود لحل الدولتين، الحل الذي يمكن الجميع العيش بامن واستقرار. والشعب الفلسطيني لا يريد الوصول إلى هذا الهدف بالعنف انما بالسبل السياسية والدبلوماسية والقانونية، فما المطلوب اكثر من ذلك؟

