هل الكتابة لغز؟ كتابة الرواية والقصة والقصيدة والنص المفتوح والمقال؟ هل يفعل الكتّاب باجتراح الكتابة الإبداعية الحقيقية أمراً مختلفاً؟ ساخراً؟ مؤثراً؟ خارقاً؟ أم أن القراء لوقوفهم تحت تأثيرات: فتنة اللغة، جاذبية الأساليب، تجدد طرق التشويق، ابتداع الحبكات والألعاب الذهنية التي تتلاعب بالقارئ… تجعلهم ينظرون لفعل الكتابة بكثير من الإعجاب والانبهار وأحياناً التعظيم (يصف العديد من القراء والصحفيين والمعلقين بعض الكتاب بالعظماء والعباقرة!) ألا يعد ذلك تعبيراً عن حالة تتجاوز الإعجاب إلى الانبهار بهم أو بنصوصهم بمعنى أدق؟
سيأتي قائل لينفي ذلك كله قائلاً: الأمر ليس كذلك، لا أحد يحمل أي نوع من التعظيم للكتاب هذه الأيام، حتى إنه ما عاد أحد يذهب لشراء ديوان شعر كما السابق!! وسينبري من يرد عليه ويقدم له بالأرقام كمية الكتب التي يطبعها العالم سنوياً! إنها أكثر من السيارات والهواتف الذكية والحواسيب، ستعرف من هذه الأرقام أن هناك ملوكاً ورؤساء دول وأصحاب ملايين لا تنقصهم الشهرة ولا المقال والعلاقات، لكنهم يدفعون أموالاً كثيرة جداً ليحظوا بمؤلفين أشباح يكتبون كتبهم باسمهم، فيصبحون في بؤرة اهتمام العالم المتحضر القارئ، ويحملون لقب كتاب أو شعراء، تلك إذن أمنية حلوة، لا تغادر أحلام الكثيرين، وهي ما تجعل الكتابة أمراً يراود أكثر الناس!
كيف يجيد هؤلاء الكبار كتابة النصوص الفريدة والخالدة التي تطبع بالملايين ويقرؤها البشر بلغات لا تعد ولا تحصى؟ لنرَ بعض هؤلاء!
فساحرة الكتابة التشيلية إيزابيل الليندي تقول: أنا لست من الكُتَّاب الذين يعتمدون على مُخطَّطاتٍ مُسبقةٍ، أو يناقشون أعمالهم أثناء الكتابة، أو يشاركون أجزاءً من النصِّ قبل اكتماله.
فبالنسبة إليَّ، تبدأُ الكِتابةُ بمسودةٍ أولى طويلة جداً، قد تستغرق شهوراً لإنجازها، وخلال هذه الفترة لا أعرفُ حقاً ما الذي يُحاولُ الكتاب قوله.
أجلس يومياً لأكتب وأترك الرواية تتدفَّقُ، وعندما أشعرُ بأنني انتهيت، أطبعُ النصَّ وأقرؤه لأول مرَّة. في تلك اللحظة فقط يتضح لي جوهر الرواية، وأبدأ عملية حذف لكلِّ ما لا يخدمُ الرواية.
أعيشُ في عُزلةٍ أثناء الكتابة، أقضي ما بين عشر إلى اثنتي عشرة ساعة يومياً في غرفةٍ وحدي. لا أتحدثُ مع أحدٍ، ولا أُجيبُ عن الهاتف.

