موسكو تجدد دعم طهران في إيجاد حلول لأزمة برنامجها النووي

3

السفير الروسي لدى إيران: التعاون وصل إلى مستوى غير مسبوق
عراقجی یسقتبل المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في طهران الأسبوع الماضي (الرئاسة الإيرانية)
موسكو – طهران: «الشرق الأوسط»
قال السفير الروسي في طهران، أليكسي ديدوف، إن روسيا تواصل دعم إيران في البحث عن حلول لتسوية الأزمة المحيطة ببرنامجها النووي، مشدداً على أن موسكو تجري مشاورات مستمرة مع طهران على مستويات متعددة.
وتتمتع موسكو بعلاقات وثيقة مع طهران، ونددت بالضربات الأميركية والإسرائيلية على المواقع النووية الإيرانية في وقت سابق من هذا العام، التي كان هدفها المعلن منع طهران من امتلاك قنبلة نووية.
وأوضح ديدوف في مقابلة نشرتها وكالة «تاس»، اليوم الثلاثاء، أن «روسيا وإيران في اتصال مستمر بهدف معالجة الوضع الذي نشأ حول البرنامج النووي الإيراني نتيجة سياسات الدول الغربية»، وأضاف: «سنواصل تقديم دعم شامل لطهران من أجل التوصل إلى حل سياسي ودبلوماسي طويل الأمد للأزمة الحالية».
وأضاف ديدوف: «كل ما يمكن القيام به يجري من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي فعال»، لافتاً إلى أن موسكو تعدّ الخطوات التي اتخذتها فرنسا وبريطانيا وألمانيا، بهدف إعادة فرض عقوبات مجلس الأمن الدولي على إيران «باطلة من الناحية القانونية والإجرائية»، مضيفاً أن «محاولات الضغط على إيران لا تُشكل أي التزامات قانونية على الأطراف الملتزمة بالقانون الدولي».
ورفض مجلس الأمن في 26 سبتمبر (أيلول) مشروع قرار قدمته روسيا والصين لتجديد سريان القرار 2231 الداعم للاتفاق النووي الإيراني لمدة ستة أشهر إضافية. وفي 28 سبتمبر، دخلت العقوبات الأممية الجديدة على إيران حيز التنفيذ.
تعاون متعدد الأوجه
وأوضح ديدوف أن مستوى التعاون بين روسيا وإيران شهد تطوراً نوعياً خلال الأعوام الأخيرة، مع توسّع التبادل التجاري وبدء تنفيذ عدد من المشاريع الكبرى في مجالات متعددة. وقال: «في السنوات الأخيرة وصلت العلاقات إلى مستوى غير مسبوق، وقد تُوّج ذلك بتوقيع معاهدة الشراكة الاستراتيجية الشاملة بين الدولتين، التي وقعها رئيسا البلدين في 17 يناير (كانون الثاني) 2025 خلال الزيارة التاريخية للرئيس الإيراني مسعود بزشكيان إلى موسكو».
أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاریجاني يصافح السفير الروسي لدى طهران أليكسي ديدوف على هامش لقائه مع المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في طهران (جماران)
أمين مجلس الأمن القومي الإيراني علي لاریجاني يصافح السفير الروسي لدى طهران أليكسي ديدوف على هامش لقائه مع المبعوث الرئاسي الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف في طهران (جماران)
وأشار السفير إلى وجود «حوار شامل يقوم على الثقة وتوافق في معظم القضايا الثنائية والإقليمية والدولية» بين موسكو وطهران. وأضاف أن السنوات الثلاث الماضية شهدت نمواً واضحاً في حجم التبادل التجاري، وتزايد الاهتمام من قبل الأوساط الاقتصادية والثقافية في كلا البلدين بتوسيع التعاون، إلى جانب انطلاق مشاريع كبرى مشتركة في مجالات البنوك والنقل والطاقة والتقنيات النووية.
وذكر ديدوف من بين هذه المشاريع: استمرار دمج منظومتي المدفوعات الوطنيتين «مير» الروسية و«شتاب» الإيرانية و إنشاء خط السكك الحديدية رشت – آستارا ضمن مشروع ممر الشمال – الجنوب الدولي، و بناء الوحدتين الثانية والثالثة من محطة بوشهر النووية.
محطات طاقة
وأفاد ديدوف بأن العمل جارٍ على مشروع محطة الطاقة النووية «هرمز» في إيران، حيث تم تحديد مفهوم المشروع والاتفاق على خريطة طريق للتعاقد، فيما يجري التحضير لتوقيع أول عقد.
وقال ديدوف: «في إطار مشروع محطة كبيرة القدرة، بدأ تنفيذ أعمال عملية بالفعل: تم الاتفاق على مفهوم المشروع، وأُعدت خريطة طريق للتعاقد وتم التوافق عليها بين الجانبين، ويجري حالياً إعداد أول عقد يتعلق بالوثائق الهندسية للمشروع».
وأضاف السفير أن موسكو وطهران تعملان بالتوازي على مشروع محطات طاقة نووية صغيرة القدرة، في إطار مذكرة التفاهم والتعاون الموقّعة لإنشاء تلك المحطات في إيران. وأوضح: «هناك مشاورات جارية حالياً لاستكمال بروتوكول التعاون الحكومي حول إنشاء محطات الطاقة النووية الصغيرة على الأراضي الإيرانية، وسيشكّل التوقيع على هذه الوثيقة نقطة الانطلاق للبدء بالمرحلة التنفيذية النشطة للمشروع».
وكانت شركة «روس آتوم» قد أعلنت في 24 سبتمبر (أيلول) أن وفداً روسياً وآخر إيرانياً وقّعا مذكرة تفاهم حول التعاون في بناء محطات نووية صغيرة القدرة داخل إيران، وتتضمن الوثيقة خطوات عملية لتنفيذ هذا المشروع الاستراتيجي.
وقال ديدوف، إن التعاون بين موسكو وطهران ما يزال يملك إمكانات كبيرة غير مستغلة في مجالات السياحة والثقافة والتعليم، موضحاً أنه يمكن تعزيز تدفق السياح عبر فتح خطوط جوية جديدة وزيادة عدد الرحلات، إضافة إلى تفعيل التبادلات الثقافية والفنية. وأشار إلى أن الاعتراف المتبادل بالشهادات ما زال يشكّل عقبة أمام التعاون الأكاديمي، رغم وجود أكثر من 9 آلاف طالب إيراني في الجامعات الروسية، مؤكداً استمرار الجهود لحل الحواجز الإدارية والعقوبات التي تعطل التعاون الاقتصادي بين الجانبين.
وفي السياق الثقافي، كشف ديدوف عن أن روسيا وإيران تعملان على اتفاق للإنتاج السينمائي المشترك، لافتاً إلى أن المسلسل الروسي «من الصعب أن تكون إلهاً» صُوّر جزء منه في إيران هذا العام، وأن أفلاماً إيرانية ستشارك في جائزة السينما الأوراسية المفتوحة «الفراشة الماسية» التي سيقام حفلها الأول في موسكو. وأكد أن الاتفاق السينمائي قيد الدراسة لدى طهران وسيُسهم في إطلاق مرحلة أوسع من التعاون الثقافي بين البلدين.
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصلان لحضور حفل توقيع بعد محادثاتهما بموسكو في 17 يناير (أ.ب)
الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان والرئيس الروسي فلاديمير بوتين يصلان لحضور حفل توقيع بعد محادثاتهما بموسكو في 17 يناير (أ.ب)
انتقادات إيرانية لموسكو
وتأتي تأكيدات السفير الروسي على مواصلة التعاون، بعد ثلاثة أيام من انتقادات وجهها رئيس البرلمان السابق محمد باقر قاليباف إلى الرئيس الإيراني الأسبق حسن روحاني ووزير خارجيته محمد جواد ظريف، متهماً إياهما بالإضرار بالعلاقات الاستراتيجية بين طهران وموسكو.
وبعد ذلك بأيام تبادل مسؤولون روس وإيرانيون كبار الزيارات، لبحث مسار اتفاق التعاون الاستراتيجي الموقع بين البلدين في يناير (كانون الثاني) الماضي. ووجّه روحاني وظريف في الأسابيع الأخيرة انتقادات لمواقف روسيا في المفاوضات، وكذلك العقوبات على البرنامج النووي الإيراني. وانتقد روحاني مؤخراً التعويل على الصين وروسيا، مشيراً إلى أنهما لم تعارضا ستة قرارات أممية فرضت عقوبات على إيران.
وحمّل لافروف، ظريف، مسؤولية إدارة آلية «سناب باك» في الاتفاق النووي، ووصفها بـ«الفخ القانوني الواضح». ومن جانبه، اتهم ظريف روسيا بإجبار إيران للدفع لآلية «سناب باك» التي أعيد بموجبها العقوبات على طهران، وذلك بعدما طرح نظيراه الفرنسي والروسي مشروعاً آخر خلال مفاوضات 2015 للتصويت على الاتفاق النووي في مجلس الأمن كل ستة أشهر.
وجدد ظريف الشهر الماضي، انتقادات سابقة لروسيا، بسبب «استدراج» قاسم سليماني، مسؤول العمليات الخارجية في «الحرس الثوري» لزيارة موسكو، بهدف عرقلة الاتفاق النووي، ومسار تحسين العلاقات بين طهران والقوى الغربية. وألقى باللوم على الروس في كشف الزيارة. كما شملت انتقادات بيع الطائرات المسيّرة لروسيا.
ويعد ظريف من بين أبرز المسؤولين الذين يوجهون انتقادات إلى موسكو، ويصر في خطابات على توصية المسؤولين بتوخي الحذر في التعامل مع روسيا. وتربط ظريف وروحاني صلات وثيقة بأطراف معادية لروسيا، الذين يتهمون مسؤولين آخرين بالولاء الشديد إلى موسكو وحماية مصالحها في إيران، وتطلق عليهم وسائل الإعلام الإصلاحية تسمية «روسوفيلية».
ماذا يقول المحللون الإيرانيون؟
وقال المحلل الإيراني والدبلوماسي السابق، عبد الرضا فرجي راد، إن «انتقادات قاليباف لروحاني وظريف كانت رسالة من النظام إلى روسيا»، حسبما أورد موقع «رويداد 24» الإخباري المحلي.
وأوضح فرجي راد أن روحاني وظريف «شخصيتان بارزتان على الساحة الدولية، وتصريحاتهما تتابع خارج البلاد. والنظام، في الظرف الراهن، لا يريد أن تُثار أي شكوك حول متانة تحالفه مع روسيا؛ لذلك فإن موقف قاليباف تجاه روحاني وظريف لم يكن حديثاً ارتجالياً أو رأياً شخصياً، بل جاء منسقاً مع الجهات الحاكمة».
ووصف فرجي راد ما تلاه قاليباف في جلسة صباح الأحد بأنه «رسالة سياسية منسقة» موجّهة إلى روسيا والصين، للتأكيد على أن «الجمهورية الإسلامية ما زالت شريكاً استراتيجياً لهما، وأن ما يصدر عن مسؤولين سابقين لا يُعبّر عن الموقف الرسمي للدولة».
ومن جهته، قال النائب الأسبق، حشمت الله فلاحت بيشه، لموقع «نامه نيوز» التحليلي إن «روسيا لا تتعامل مع إيران كشريك استراتيجي». مضيفاً أن «الروس تصرفوا بذكاء جعل خيارات إيران في السياسة الخارجية تتقلص إلى الحد الأدنى، وقد عاد ملف إيران في مجلس الأمن الدولي تحت الفصل السابع، في وضع فرضت فيه موسكو رؤية أحادية على طهران».
وكان فلاحت بيشه رئيساً للجنة الأمن القومي خلال المفاوضات النووية لعام 2015، وتحول في السنوات الأخيرة إلى أبرز منتقدي روسيا وحلفائها في إيران.
وقال فلاحت بيشه الذي يعرف بانتقاداته الحادة لروسيا إنه «حتى في الفترات التي كانت فيها لإيران خيارات متعددة ولم تكن منهمكة في الحرب، لم تنظر روسيا قط إلى العلاقة معها بوصفها علاقة استراتيجية، إذ لم تقدّم لطهران أسلحة استراتيجية في أي وقت، وظلت تترك إيران وحيدة في الحرب والسياسة على حد سواء».

التعليقات معطلة.