سؤال عالماشي- موفق مطر
إذا أردنا الحرية لأمة الإنسان فيجب تحرير قلعة عقل الانسان، وتعزيز حصون ثقافته، وإخلاء خنادق مفاهيمه من جنود الاستبداد والاستكبار، والمجيشين على اساس النوع والجنس. فالإنسان هو الإنسان، ذكرا كان أو أنثى، ومن يقول غير ذلك فانه ارتضى ذلاً واستعبادا لشهوته ورغبته وسلطانهما الظالم أبدا.
الإنسان الأنثى سر الحياة، لايجوز شطره بتقديم أو ترتيب شطر على آخر، ذلك أنه خرق لوحدة أقدس مخلوق في الكون، فالإنسان أنثى وذكر، أما إنشاء حواجز التمييز والتفضيل، ودعمها “بباطون” الواجبات والخصائص والنقائص وغيرها من بدع الضلوع والعقول الناقصة، فإنها ليست أكثر من نبت مرعلقم سام، ينتج في حديقة الشيطان حتى وإن بدا جذابا .
لا أحب الأيام للذكرى، فهذه تمروتنصرف، أما الأيام الفكرة فإنها باقية ما دام الإنسان معمرا في الأرض، ومرتقيا نحو أبراج السماء، فخير إحياء للفكرة سقيها من نبع وعينا كل يوم، فربما يكون لدينا ذات يوم على الأرض جنة، تتجسد الحرية فيها إنسانا، لايسمح لإبليس التسلط بوضع قدمه على عتبتها، ويصده، باليقظة والسهر على حماية الحقيقة، ووجوهها في: أنتِ وأنا، هيَ وهو. هنَّ وهم، أنتنّ وأنتم، فالحق لها في كل يوم من السنة الميلادية والقمرية أو حتى الصينية ثابت ومقدس.. مثل حقها في إعادة النظر بالقوانين الفلسطينية وصياغتها وتطويرها لتتناسب مع مستوى تنمية فكرية وثقافية وقيم ومبادئ انسانية يناضل الوطنيون التحرريون والتقدميون لتكريسها، وحقها في قوانين عصرية تدخل حيز التنفيذ، وبالتوازي إلغاء نصوص يمكن تفسيرها على أنها تمييز على أساس النوع، فالحقوق هي الحقوق للإنسان الأنثى كما للإنسان الذكر.
لابد من مواكبة النضال الوطني بثورة ثقافية، فالتحرر بالنسبة للفلسطينيين يجب أن يسير على سكتين متوازيتين لضمان التوازن والوصول بمجتمع الثورة الى مجتمع الدولة، وتحرير الانسان الفلسطيني وتحديدا المرأة، والارتقاء بمكانتها الى مكانتها الطبيعية، والتسليم بحقوقها لن يحصل، ما لم نجسد الايمان بقدراتها الابداعية والعلمية والمعرفية وحقها في ريادة وقيادة المجتمع والمؤسسات القانونية والتشريعية والتنفيذية، فمبدأ تحررالمرأة، وإلغاء كل أشكال التمييز التي تقيدها،بقوانين انعكاس طبيعي لمقدار التغيير الثقافي النوعي في البنية الاجتماعية، ومعيار لابد منه لقياس تقدمنا ليس في جبهة نضالنا الوطني التحرري وحسب، بل لقياس مكانتنا بين الأمم المتحضرة. فالمرأة العربية عموما والفلسطينية خصوصا قد أثبتت إدراكها لكينونتها الانسانية وواجباتها بإبداعات وإسهامات حضارية متميزة بعطاء لا محدود، انتصرت على مقولة الخصوصية التي أرادها الظلاميون السلطويون وكسرت بعض أكبالهم الفولاذية، وسلاسل مفاهيم متخلفة، مخالفة أصلا للطبيعة التي أراد الله أن يكون عليها الانسان. وأنبل ما قد نفعله لمستقبلنا هو إعادة ثقافة الحرية والسلام والعدالة والمساواة، كما جاءت مع تكوين الانسان،فالحقوق والحرية كيان واحد، وحق للإنسان بلا جدال أو نقاش، للأنثى كما للذكر.فنحن لن نرى جنة الوطن حقيقة ملموسة، ولن نبلغ الجنة التي عرضها السماوات والأرض، إلا بالعمل الصالح والوفاء بالحق، وتكريس منهج العدل والمساواة، فمفتاح جنة الوطن مصاغ من إيمانها بالحرية وحبها من قلبها، والسلام من فكرها، والابداع من عقلها، ونقاء إخلاصها وصدقها من عملها، والجمال من إبداعها…. فلا حرية واستقلال مع امرأة مظلومة، مغتصبة الحقوق مقهورة، مقموعة بسلطان ورغبات الذكور في المجتمع، وإلا سنكون كمن استبدل الاحتلال العسكري، باحتلال أشد إرهابا على إنسانيتنا.
ودعونا نتذكر الآن أن تاريخ أول مؤتمر نسائي فلسطيني في مدينة القدس بتاريخ 26 تشرين الأول 1929، حضرته 300 سيدة رائدات في مجتمعاتهن، خرجن بعد انتهائه بتظاهرة ضد الاحتلال البريطاني.. وأن رئيس الشعب الفلسطيني قائد حركة تحرره الوطنية، محمود عباس أبو مازن، أعلن أمام مجلس حقوق الإنسان الأممي انضمام فلسطين إلى الاتفاقية الدولية للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري لعام 1965 ووقع على اتفاقية القضاء على التمييز العنصري التي دخلت حيز التنفيذ في عام 2014. وأكد على مبدأ الحرية الكاملة للمرأة الفلسطينية.

