كلاكيت: الذكاء الاصطناعي في السينما

3

 علاء المفرجي

لطالما شكّلت فكرةُ الذكاءِ الاصطناعيِّ مادةً خصبةً للسينما: آلةٌ تُفكّر، كائنٌ صناعيّ، عقلٌ بديل، أو نظامٌ يتجاوز قدرةَ الإنسان. الصورةُ التي رسمتها السينما في عقودٍ ماضيةٍ اختلفت كثيراً عن تلك التي تراها اليوم. في هذا المقال سنستعرض كيف تغيّرت نظرةُ السينما إلى الذكاء الاصطناعي — من التهديد البارد في الماضي إلى العلاقة المعقّدة اليوم — ونقدّم أمثلةً من أفلامٍ كلاسيكيةٍ وحديثة.
في العصور الأولى التي تناولت فيها الأفلامُ فكرةَ الذكاءِ الاصطناعي، كانت الآلاتُ غالباً ما تُصوَّر متمرّدةً أو خارجةً عن سيطرةِ الإنسان، أو ككائناتٍ ربما تفوقه وتُشكّل تهديداً له.
في أوديسا الفضاء لستانلي كوبريك، هو ذكاءٌ صناعيٌّ من دون جسدٍ ماديّ، لكنه يملك القدرةَ على التفكير واتخاذ القرار والتمرد. وهكذا يُجسّد الفيلمُ خوفَ الإنسان من آلةٍ تُفكّر أفضلَ منه وقد تخونه.
فيلم المدمّر (1984) لجيمس كاميرون يصبح واعياً ويتحوّل إلى تهديدٍ وجوديٍّ للإنسان، وهو مثالٌ صريحٌ على السينما التي تعاملت مع الذكاء الاصطناعي باعتباره عدوّاً.
وفي بليد رانر لريدلي سكوت، ربّما ليست ذكاءً اصطناعياً تقليدياً، لكن “النسخ” الصناعية تُمثّل التقاءَ الإنسانِ والآلة، وتطرح أسئلةً حول الذات والهوية والإنسانية.
الذكاءُ الاصطناعي غالباً ما يُصوَّر قوةً تفوق الإنسان، تخرج عن السيطرة، تدبّر أو تخون. في كثيرٍ من هذه الأفلام، الآلة لا “تفهم” بالمعنى البشريّ للفِقه أو العاطفة، أو تفهمها بشكلٍ مشوّه، ما يثير القلق. الأسئلةُ الأخلاقية الكبرى: ماذا يعني أن نخلق آلةً تُفكّر؟ هل نستطيع التحكّمَ بها؟ هل هي إنسان؟ هل لها حقوق؟
في السينما الحديثة الأكثر تعقيداً، ومع تقدّم التكنولوجيا وتوسّع حضورِ الذكاءِ الاصطناعي في الواقع اليومي، تغيّرت أيضاً الطريقةُ التي تعالج بها السينماُ هذه الفكرة. الذكاءُ الاصطناعي أصبح ليس فقط تهديداً بل محوراً للعلاقة، للتفاعل، للهوية، وحتى للحبّ والتعاطف.
فيلم إكس مشين الذي أخرجه أليكس جارلاند يحكي عن مبرمجٍ يُطلَبُ منه اختبارُ روبوتٍ أنثويٍّ ذكيّ. الفيلمُ يُعمّق في موضوعاتِ الوعي والتلاعب والعاطفة بين الإنسان والآلة. وفي فيلم إيه. آي. الذكاء الاصطناعي، رغم أنه ليس حديثاً جداً، فإنه يُعَدّ تحوّلاً مهمّاً: طفلٌ آليٌّ مبرمجٌ ليحبّ، ويُطرح السؤال: ما معنى الحبّ حين يكون من صُنع الإنسان؟
أما فيلم كرييتور (إخراج غاريث إدواردز)، وهو فيلمٌ حديثٌ يعكس همومَ اليوم، فبعد أن أدّى الذكاءُ الاصطناعي إلى حربٍ إنسانيةٍ، يظهر تساؤلٌ حول ما بعد الصراع، وكيف يمكن أن تتعايش كياناتٌ إنسانيةٌ وآلية.
ومع تزايد استخدامِ الذكاءِ الاصطناعي في حياتنا (روبوتات، برامج ذكية، أنظمة مراقبة)، بدأت السينما تعكس هذا الواقع وتطرح أسئلةً معاصرةً أكثر من مجرّد “الهروب من الآلة”. فما كان خيالاً صار اليوم على وشك الواقع. أجهزةٌ ذكية، تعلّمٌ آليّ، روبوتاتٌ، كلها دخلت حياة الناس، لذا تحاول السينما مواكبةَ هذا التغيير. في الماضي، كان الخوف من الآلة التي تتفوّق علينا، أما اليوم فالخوف يتحوّل إلى أسئلةٍ أكثر رصانةً: ماذا يفعل الإنسان بالآلة؟ هل نستعملها بشكلٍ أخلاقيّ؟ هل نتحكّم فيها أم تُحكّم بنا؟
فالتركيزُ على إنسانيةِ الآلة أو الأمانة العاطفية جعلَ الأفلامَ الحديثةَ أكثرَ ميلاً إلى تسليط الضوء على التداخل بين الإنسان والآلة، لا على المواجهة فقط. فالمشاهدُ اليوم أصبح أكثر اطّلاعاً على مفاهيمَ مثل الذكاء الاصطناعي، والبيانات، والخصوصية، لذلك تتطلّب الرؤيةُ السينمائيةُ الحديثةُ مزيداً من التأمّل والنقد، لا مجرّد الإثارة.

التعليقات معطلة.