كثير هُم من حلموا بالمساواة بين البشر ودعوا إليها أو تمنوها. اختلف المقصود بالمساواة بين من تناولوها، ومازال هذا الاختلاف مستمرًا، وسيبقى كذلك على الأرجح. ولم يقتصر الاختلاف على مفهوم المساواة، بل شمل تاريخ البحث عنها أيضًا. فقد تعددت الاجتهادات وتنوعت بشأن ما حدث في هذا التاريخ. ويعد المفكر الفرنسي جان جاك روسو أبرز من تأملوا في بداية تاريخ البشرية على الأرض وتصوروا ما حدث فيه، وخالفوا غيرهم.
فقد تخيل روسو أن حياة البشر الأولى كانت أفضل مقارنةً بما تعرض له الإنسان بعدها منذ تكوين المجتمع وظهور سلطة تحكمه. وكتب في مقدمة كتابه «العقد الاجتماعي» الصادر في منتصف القرن 18 إن الإنسان كان حرًا، وهو الآن مقيد بالأغلال المعنوية قبل المادية في كل مكان. وسعى روسو إلى تفسير كيف انتقل البشر من الحرية إلى الأغلال، ومن المساواة إلى التفاوت الاجتماعي. ووصف هذا الوضع بما معناه أن أول إنسان أقام سورًا حول قطعة من الأرض وقال إنها له، ووجد من صدَّقه، كان هو المؤسس الفعلي للتفاوت الاجتماعي في صورته البدائية التي تطورت عبر الزمن.
والمهم، هنا، أن تصور روسو هذا كان أحد الأسس المبكرة جدًا وغير المقصودة للأفكار الاشتراكية التي لم تصبح الظروف مهيأة لظهورها إلا في منتصف القرن التاسع عشر. لم يرفض روسو الملكية الخاصة، بل ما يقوم منها على الاغتصاب والاستغلال والإجحاف وغيرها من أشكال الظلم الاجتماعي. فقد اقترنت نظريته في العقد الاجتماعي بمسألة التفاوت بين البشر، حيث أرجع اختلاف أنواع السلطة التي أُنشئت عند تكوين المجتمع إلى تباين أنماط هذا التفاوت. فالفرد الأقوى من الجميع أقام سلطة ملكية مطلقة. والمجموعة الأقوى من غيرها، ولكن أفرادها متساوون فيما بينهم، أسَّست السلطة الأرستقراطية. أما الأكثرية التي كان أفرادها متقاربين في الصفات والحظوظ، فقد أقاموا سلطة ديمقراطية. وتصور روسو أنه في الإمكان تحقيق مساواة في ظل حكم ديمقراطي من خلال عقد اجتماعي صحيح يقوم على مفهوم الإرادة العامة.

