الجزء الثالث والعشرون
11/11… إرادة العراقيين غائبة في مشهدٍ مكتوبٍ سلفاً
يقترب يوم 11/11 والعراق يقف في قلب عاصفةٍ أكبر من حدوده. فما يجري ليس مجرد حدثٍ انتخابي أو استحقاقٍ داخلي، بل حلقة في سلسلة إعادة رسم الخرائط السياسية للمنطقة تحت عنوان «الشرق الأوسط الجديد» الذي تتجاذبه قوى النفوذ الكبرى . كل طرفٍ يرى في العراق بوابةً لمستقبل هذا المشروع .
واشنطن تعتبره مركز التوازن الأمني في الخليج. طهران تراه عمقها الاستراتيجي وحزامها الغربي. بينما تنظر تل أبيب ولندن إليه بوصفه المفتاح الذي يحدد مَن يملك زمام التغيير في الإقليم .
من هنا، يتحوّل يوم 11/11 إلى اختبارٍ لإرادات النفوذ لا لإرادة العراقيين الوطنية. فالقوى الدولية والإقليمية تتابع هذا اليوم كمؤشرٍ على حجم حضورها وتأثيرها داخل العراق: هل ستظل المعادلة بيد واشنطن وطهران؟ أم أن ترتيبات «الشرق الأوسط الجديد» ستفرض واقعاً مختلفاً تُهمَّش فيه أذرع النفوذ القديمة لصالح توازنٍ جديدٍ أكثر انسجاماً مع مصالح القوى الثلاث الكبرى (أميركا – بريطانيا – إسرائيل)؟
إنّ العراق في هذا السياق ليس رقماً صغيراً، بل محور المعادلة. فمن دون استقراره لا يمكن لأي مشروع شرق أوسطي أن يكتمل. لذلك تتكثف الضغوط عليه، وتتقاطع فيه الرسائل السياسية والعسكرية والاقتصادية لتحديد الاتجاه القادم للمنطقة كلها. فواشنطن تمارس ضغوطاً مزدوجة على حكومة بغداد: من جهةٍ تريد التهدئة مع الفصائل وإبقاء العراق في خط الحياد الموجّه، ومن جهةٍ أخرى تُحضّر لإعادة تموضعٍ إقليمي يُعيد ترسيم حدود الدور الإيراني. أما طهران، فترى في هذا اليوم فرصةً لتأكيد أن نفوذها لم يُكسر بعد، وأن «الشرق الأوسط الجديد» لن يمرّ من دونها.
وبين المشروعين، تُغيّب الإرادة العراقية الوطنية. فلا صوت للشعب في تقرير مصيره، ولا قدرة حقيقية لحكومةٍ موالية على فرض مسارٍ مستقل. الانتخابات تبدو واجهةً ديمقراطية تُخفي خلفها معركة نفوذٍ تتجاوز حدود العراق إلى عمق الإقليم.
لكن الحقيقة التي لا يدركها كثيرون أن العراق ليس تابعاً في الجغرافيا ولا هامشاً في التاريخ، بل هو نقطة البداية لأي شرق أوسطٍ يُراد له أن يولد من جديد. ومن هنا تبدأ أهمية الوعي الشعبي. آن الأوان أن يفهم المواطن العراقي أنّ ما يُدار في بغداد اليوم سيحدّد موقع العراق غداً، إمّا كركيزةٍ لمعادلةٍ إقليمية عادلة، أو كساحةٍ لتصفية الحسابات بين مشاريع الآخرين.
نحو تبصّر وطني
على المواطن العراقي اليوم أن يتبصّر، وأن يدرك أن ما يجري ليس صراعاً على مصلحته، بل صراعٌ على موقع بلاده في خريطة “الشرق الأوسط الجديد”. فحين يغيب وعي الشعوب تتحوّل الأوطان إلى مسارح تجارب لمشاريع الآخرين. لقد آن للعراقيين أن يدركوا أن الخلاص لن يأتي من واشنطن ولا من طهران، بل من مشروعٍ وطنيٍ جامعٍ يُعيد صياغة العلاقة مع الخارج على أساس المصالح المتبادلة لا التبعية المتبادلة.
إن 11/11 ليس نهاية مرحلة، بل بداية اختبارٍ جديد ، اختبارٌ لمدى وعي العراقيين بأن مستقبلهم لا يُصاغ في العواصم البعيدة، بل يبدأ من الداخل، من إعادة بناء الثقة بين الشعب والدولة، ومن وعيٍ شعبيٍّ يُدرك أنّ استعادة الوطن تبدأ من استعادة البصيرة.
يتبع غدا الجزء الرابع والعشرون: “العراق بين احتلالين… وميلاد معادلة جديدة للشرق الأوسط”

