«المرأة الحديدية» اليابانية

3

د. سعاد كريم
باحثة لبنانية

في بلد محافظ جداً وقائم على القيم والمبادئ التقليدية انتُخبت زعيمة الحزب الليبرالي الديمقراطي الحرّ الحاكم، ساناي تاكايتشي، في 21 أكتوبر (تشرين الأول) 2025، أول امرأة وأول زعيمة رئيسة للوزراء من قِبل مجلس النواب الياباني بعد حصولها على 237 صوتاً من أصل 465.

ساناي تاكايتشي، المحافظة القومية اليمينية المتشدّدة البالغة من العمر 64 عاماً، من مذيعة أخبار ومقدمة برامج تلفزيونية إلى رئيسة وزراء فازت بأغلبية جليّة ليغدو فوزها حدثاً تاريخياً في اليابان. وعيّنت كاتاياما ساتسوكي لتتولّى منصب وزارة المالية في حكومتها لتصبح بذلك أول امرأة تشغل هذا المنصب في البلاد. ورغم أنها تعهّدت بتعيين أكبر عدد من النساء فإن حكومتها لم تضم إلا اثنتين فقط.

أُعجبت تاكايتشي بـ«المرأة الحديدية» رئيسة وزراء بريطانيا، مارغريت ثاتشر، واعتبرتها قدوة لها حتى أضحى هدفها الأول والأسمى أن تتمثّل بها لتصبح «المرأة الحديدية» في اليابان.

تولّت تاكايتشي منصبها في وقت عصيب تمرّ به اليابان من حيث ارتفاع تكاليف المعيشة، وحالة الإحباط الشديدة لدى اليابانيين، وكثيرٌ غيرها، لهذا تتمحور سياستها الاقتصادية حول «الاقتصاد أولاً، ثم السياسة المالية». هذا بالنسبة للسياسة الداخلية، أما السياسة الخارجية فاعتبرت أن التحالف الياباني – الأميركي أولوية قصوى وشديد الأهمية على الصعيدين: الدبلوماسي والأمني. وقد أبلغت الرئيس الأميركي دونالد ترمب، بعد تهنئته لها بفوزها، أن اليابان شريك لا غنى عنه في ما يتعلق باستراتيجيات الولايات المتحدة تجاه الصين والمحيطين الهندي والهادئ، في حين يريد الرئيس ترمب من اليابان تعزيز إنفاقها العسكري.

في الثمانينات، وخلال ذروة التوتر التجاري بين اليابان والولايات المتحدة، لاحظت ساناي تاكايتشي أن اليابان تُعامل ككتلة واحدة مع الصين وكوريا الجنوبية، فتوقعت أنه ما لم تتمكن اليابان من الدفاع عن نفسها، فسيبقى مصيرها دائماً مرتبطاً برحمة الرأي الأميركي. لذلك دعت إلى تخفيف القيود الدستورية المفروضة على قوات الدفاع الذاتي اليابانية، التي تمنعها من امتلاك قدرات هجومية.

في اليابان، حيث خامس أكبر اقتصاد في العالم لعام 2025 بعد الولايات المتحدة والصين وألمانيا والهند بعد أن كان في المرتبة الرابعة في عام 2024 وقبل أن تتجاوزه الهند، تتعهّد تاكايتشي بإحياء رؤية رئيس الوزراء الياباني الراحل شينزو آبي وتؤيد استمرار سياسته الاقتصادية «أبينوميكس» القائمة على الإنفاق الكبير وخفض أسعار الفائدة التي أطلقها عام 2012 بهدف إنعاش الاقتصاد الياباني، وتعتمد على سياسة نقدية جريئة وسياسة مالية توسيعيّة واستراتيجيّات النمو الهيكلي، وتهدف إلى مكافحة انكماش طويل الأمد. كما تعزّز تاكايتشي تنافسية اليابان عالمياً، وتسعى إلى تنشيط الدور الحكومي في إدارة الاقتصاد بخلاف ما قامت به مارغريت ثاتشر التي بصرامتها المعهودة، قلّصت دور الدولة في الاقتصاد وسعت لدعم اقتصاد السوق إلى الخصخصة وتخفيض الإنفاق الحكومي. بينما، وعلى عكس ثاتشر، تدافع تاكايتشي عن السخاء المالي والسياسات النقدية المتساهلة.

وفي هذا السياق، فإن تاكايتشي تهدف في أجندتها للسعي إلى الاستثمار في قطاعات النمو والأمن القومي بالتوازي مع المحافظة على ثقة الأسواق المالية وخفض الديْن العام إلى الناتج المحلي. وهذا ما لا يوافقها عليه المحلّلون السياسيّون الذين ينتقدون ويشيرون إلى أن الاهتمام يتركّز على خططها الإنفاقية الضخمة التي قد تزعزع ثقة المستثمرين في أحد أكثر اقتصادات العالم مديونية، ومواقفها القومية التي قد تثير خلافات مع جارتها القومية الصين وذلك بسبب موقفها المؤيد لتعزيز العلاقة مع تايوان، حيث وصفتها بأنّها «صديقة مخلصة مع تايوان»، أدّت بذلك إلى موقف متشدّد من قِبل بكين التي اعتبرت أن تصريحاتها بخصوص لقاء مسؤولين من تايوان يمثّل انتهاكاً صارخاً لمبدأ «الصين الواحدة» و«خطاً أحمر لا يمكن تجاوزه».

لكن، ما سبب اهتمام تاكايتشي بالتحالف مع أميركا من الناحية الاقتصادية؟

في الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، ألقت الولايات المتحدة الأميركية قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما (6 أغسطس/ آب 1945) وناغازاكي (9 أغسطس 1945)، ما أدّى إلى استسلام اليابان وإنهاء الحرب.

لكن لعبة الأمم والمصالح تطغى دائماً على علاقات الدول حيث إن تاكايتشي ترى أن التحالف مع أميركا ضروري لمواجهة التحدّيات الأمنية في شرق آسيا، كما أن السعي إلى التحوّل في السياسة اليابانية إلى سياسة تحالف ضروري أيضاً لأسباب عدة، أبرزها ضمان السلام والاستقرار في المنطقة، وتجاوز التحدّيات الأمنية في مواجهة التوترات مع الصين وكوريا الشمالية وروسيا.

هذا غيضٌ من فيض مما سيواجه ساناي تاكايشتي من أزمات ومشكلات جمّة وتحديات كبيرة، لكن يبقى السؤال الأهم: هل ستعبر هذا الطريق الوعر لتُدخل اليابان في عصر سياسي واقتصادي ذهبي بإدارة امرأة تشبه «المرأة الحديدية» البريطانية في عزيمتها، وتشبه «المرأة الحديدية» اليابانية في أدواتها الاقتصادية وطموحاتها الآسيوية؟

التعليقات معطلة.