شكوك كبيرة حول الصعود القوي للصين قوة عالمية مهيمنة

2

رنا فوروهار

اعتدتُ التشكيك في معظم الأحيان في الروايات أحادية الجانب. والأمثلة متعددة، ولعل أبرزها مواقفي تجاه صعود الذكاء الاصطناعي، وشرور الرسوم الجمركية، ومؤخراً، الشعور بأن لا شيء سيعيق الصعود العالمي للصين.

 

لقد بات العديد من المستثمرين مقتنعين تماماً بهذه الحجة الأخيرة خلال الفترة الماضية: بكين انتصرت في الحروب التجارية، وهي على وشك الفوز في حربي الرقائق والذكاء الاصطناعي أيضاً، ما يعزز، على ما يبدو، دور الصين كقوة عالمية مهيمنة جديدة.

 

لكن بالنسبة لي، هناك محاذير عدة مهمة تحيط بهذه القناعات، ودعوني أبدأ بمزاح مع المتفائلين بشأن الصين، والإشارة إلى ما هو واضح: المحركات الاقتصادية للصين رائعة، وتخطيطها الصناعي طويل الأجل تحسد عليه.

 

وقد صمدت بوضوح أمام تنمر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، باستعراض كبير للقوة، في مجالات مثل المعادن الأرضية النادرة، والمشتريات الزراعية (حيث ابتعدت عن الولايات المتحدة)، إلى جانب التفوق في تطوير التقنيات المتقدمة (وهنا يمكن الإشارة إلى تأكيد جينسن هوانغ، الرئيس التنفيذي لشركة إنفيديا:

«الصين ستفوز في سباق الذكاء الاصطناعي»). كما نجحت الصين في استغلال انعزالية الولايات المتحدة لبناء جسور جديدة في جنوب شرق آسيا وأفريقيا وأمريكا اللاتينية.

أما الخبر السيئ فهو: لم تُغير أيٌّ من هذه الأمور التحديات الجوهرية التي تواجهها الصين، خاصة إذا كانت تهدف إلى أن تحل محل الولايات المتحدة كقوة عظمى عالمية جديدة. وإليكم حقائق ثلاث عن الصين، كفيلة بالتقليل كثيراً من وتيرة التفاؤل:

 

أولاً، على الرغم من التعهدات الجديدة بزيادة الاستهلاك في الصين، فإن الحسابات والسياسات المتعلقة بذلك لا تزال معقدة أكثر من أي وقت مضى.

 

ثانياً، في حين أن الدبلوماسية العالمية أصبحت الآن لعبة بكين، إلا أنها حققت مكاسب أقل بكثير مما كان ينبغي لها تحقيقه حتى الآن، وذلك بالنظر إلى كثرة الثمار الدانية.

 

ثالثاً، لا يزال النموذج السياسي صعب الانتشار عالمياً، ما يجعل من الصعب على الصين أن تحل محل الولايات المتحدة (أو حتى أوروبا)، من حيث القوة الناعمة.

 

ولنبدأ بالتحولات الجوهرية التي يجب أن تحدث في الاقتصاد الصيني. فبينما وعدت بكين لسنوات بنموٍّ يقوده المستهلك، إلا أن ذلك لم يتحقق.

 

لأن ذلك يتطلب إعادة توزيع مُرهِقة للثروة من الحكومات المحلية والبنوك الحكومية والشركات المملوكة للدولة إلى الأفراد. وهذا يعني إحداث خلل جذري في الاقتصاد السياسي، وجميع المصالح الخاصة فيه.

وهذا ليس بالأمر الهيّن في أفضل الظروف، وهو الآن أقل احتمالاً في الحدوث مما كان عليه في الماضي، لأن زيادة الاعتماد على الذات، وتوسيع السيطرة على سلاسل التوريد الإقليمية والعالمية، يتصدران أجندة شي جين بينغ.

وتقدم الخطة الخمسية الجديدة للصين، الوعد بـ «تنمية عالية الجودة»، من خلال الاعتماد على الذات في مجال التكنولوجيا، ومزيد من التحديث الصناعي، وتوسيع الطلب المحلي. ولا أشك في أنها ستنجح في المجالين الأولين.

 

لكن كما أشار الخبير الاقتصادي مايكل بيتيس، وخبيرة العلوم السياسية إليزابيث إيكونومي، وآخرون كثر، فإن نمو الدخل والوظائف بين الصينيين، لن يتحقق من خلال زيادة التصنيع (خاصة أن هذه العملية باتت تعتمد على الروبوتات بشكل متزايد)، بل من خلال تعزيز طلب الأسر، والذي تقوده حركة السوق، وهو أمر يتطلب بالضرورة إنهاء إجراءات «القمع المالي».

بدلاً من ذلك، نشهد المزيد من الدعم الحكومي الرخيص (وللنظر إلى الدعم الكبير من خلال توفير الطاقة الجديد لرقائق الذكاء الاصطناعي)، وانخفاض الإنفاق الاستهلاكي، وتفريغ وتوجيه الطاقة الفائضة، التي لم تعد تذهب إلى الولايات المتحدة في أوروبا.

 

وهذا يقودنا إلى النقطة الثانية، فقد منح ترامب الصين فرصة رائعة للتقرب والتودد إلى الاتحاد الأوروبي، من خلال إضعاف التحالف عبر الأطلسي.

 

وكان من اليسير تخيّل الدبلوماسيين الصينيين يستغلون نفوذهم الدبلوماسي في بروكسل، ويشكلون شراكات تجارية جديدة، ويتشاركون سلاسل القيمة، أو يطمئنون الأوروبيين بإمكانية التوصل في النهاية إلى حل لمشكلة وفرة البضائع الصينية الرخيصة.

لكن للأسف، لا يوجد حل – ليس فقط لأن النموذج الاقتصادي الأساسي للصين لا يتغير، بل لأن الصين تبقى حليفاً وداعماً رئيساً لروسيا، التي تعتبر أكبر تهديد استراتيجي لأوروبا. كل هذا يجعل من الصعب جداً تخيّل «تحالف أوراسي» جديد، حتى لو ظلت أمريكا شريكاً غير موثوق به لأوروبا.

من ناحية أخرى، فإن الصين بارعة جداً في النزعة التجارية. لكنها لا تتقن القوة الناعمة بنفس القدر. حيث تشتد صرامة الإجراءات الداخلية، مع تزايد التفاؤل بشأن الهيمنة التكنولوجية والصناعية الصينية.

 

وتعد عمليات التطهير الحالية، هي الأوسع نطاقاً منذ عهد ماو تسي تونغ. ويمكن القول إن الفساد هو جوهر هذه العمليات. لذلك، يرى كثيرون أن الصين ببساطة ليست مكاناً مناسباً لازدهار الطبقة الإبداعية.

 

وتاريخياً، ارتبطت الهيمنة العالمية والانفتاح ارتباطاً وثيقاً، إذ تعتمد الديناميكية الاقتصادية على رغبة الأفراد ورأس المال في الانتقال إلى بلد ما. ولذلك، فإنه منذ عام 2015، انخفض حجم الاستثمار الأجنبي المباشر في الصين من الاقتصادات المتقدمة بنسبة 70 %.

ويعود جزء كبير من ذلك إلى التوترات الجيوسياسية، لكن حتى لو كانت الظروف العالمية أكثر ملاءمة، فإنني لا أعرف الكثير من أعضاء النخبة متعددة الجنسيات ممن يضعون بكين، أو حتى شنغهاي، على رأس قائمة أمنياتهم.

 

صحيح أن هذه الأمور قد لا تعيق نمو الصين على المدى القصير. لكنها نقاط يجب علينا أن نأخذها في الاعتبار.

التعليقات معطلة.