ترجمات
شفق نيوز- ترجمة خاصة
على الرغم من النتائج الجيدة التي حققها رئيس حكومة تصريف الأعمال محمد شياع السوداني، والعلاقة “الجيدة” التي ربطت بغداد وواشنطن خلال السنوات الثلاث الماضية، إلا أن قوى الإطار التنسيقي قد تحتفظ هي بمقعد القيادة، بسبب خصوصيات العملية الطويلة لتشكيل الحكومة والتوزيع النهائي للمقاعد، وذلك بحسب ما خلص إليه “معهد واشنطن” الأميركي الذي حذر من احتمال عودة الأيام التي كان فيها العراق “ساحة معركة” بين الأميركيين والإيرانيين.
واعتبر المعهد في تقرير ترجمته وكالة شفق نيوز أن نتائج انتخابات العراق، بدت للوهلة الأولى، وكأنها مشجعة، بما في ذلك ما يتعلق بالعلاقات مع الولايات المتحدة، لكنه أشار إلى أن الائتلاف الذي حل أولاً، وهو ائتلاف “الإعمار والتنمية” بقيادة السوداني لم يتمكن من الحصول سوى على 15% من مقاعد البرلمان (46 مقعداً من أصل 329).
ولهذا، رأى التقرير أنه من المرجح أن يشهد العراق مرحلة طويلة ومنهكة من الصراعات السياسية قبل تشكيل الحكومة الجديدة، بما يذكر بالتأخير الذي كان يتبع الانتخابات السابقة (8 شهور في العام 2010، و11 شهراً في عامي 2021 و2022).
ولفت التقرير إلى أن السوداني خاض حملته الانتخابية الحالية مستنداً على إنجازاته المحلية، من دون أي دعم واضح من طهران أو وكلائها.
وفي إشارة إلى قوى وأحزاب الإطار التنسيقي، قال التقرير إنه برغم نجاح السوداني، إلا أن هذا التكتل الموالي لإيران حصل على أغلبية مقاعد البرلمان، وهي نسبة كافية له تقريباً لتشكيل حكومة.
وذكّر التقرير بأنه عندما بدأت حكومة السوداني، ظن العديد من العراقيين المحبطين، أنه سيكون مديناً لرعاة ائتلافه الإيرانيين ولن يقدم للشعب العراقي سوى القليل، إلا أن أداء السوداني منذ ذلك الوقت، لاقى صدى محلياً، خصوصاً لدى الناخبين العرب السنة، الذين خرجوا بأعداد كبيرة يوم الانتخابات.
وأضاف أن هذا الإقبال، إلى جانب ضعف الإقبال الشيعي المفترض، قد ساعد السوداني في الانتخابات، إلى جانب إنجازاته الأبرز بنظر العراقيين ببناء البنية التحتية في بغداد، حيث ارتبط اسم حكومته بشكل أكبر ببناء “الطرق والمباني”، فيما وصفت مجلة “ذي إيكونوميست” بغداد مؤخراً بأنها “مدينة مزدهرة”.
الملفات الداخلية والإقليمية
وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى أن العراق، خلال عهد السوداني، عزز موقعه الإقليمي، فهو بعدما تعهد بالعمل مع أنقرة على طرد عناصر حزب العمال الكوردستاني المعارض لتركيا، فإن بغداد أعادت فتح خط الأنابيب النفطي المعطل ما بين إقليم كوردستان إلى تركيا، كما وقعت بغداد اتفاقية للتعاون المائي مع أنقرة.
وإلى جانب ذلك، قال التقرير إن السوداني عزز استقلالية العراق عن إيران في مجال الطاقة، وقام بتطوير علاقات العراق مع جيرانه من الدول العربية ومع واشنطن، بما في ذلك حضوره مؤخراً مراسم وقف إطلاق النار في غزة في مؤتمر شرم الشيخ.
وتابع التقرير أن كثيرين يعتبرون أيضاً أن السوداني “لم يفعل الكثير” للقضاء على الفساد المستشري، وأنه عزز نظام المحاصصة الطائفي القائم على توزيع الغنائم السياسية والاقتصادية على أساس المذهب لا الكفاءة، وأن حكومته قامت بتشريع شركة “المهندس” العامة التي تديرها “الميليشيات”، بحسب التقرير.
وأضاف أن السوداني ومن أجل تغطية تكاليف التنمية الاقتصادية في بغداد نفسها، خفض تمويل المناطق الأخرى بشكل كبير، في حين أنه اعتمد من أجل الحد من البطالة المرتفعة، على توظيف نحو مليون موظف حكومي جديد، مما أدى إلى تضخم الميزانية، مشيراً إلى أنه تعرض لانتقادات أيضاً بسبب إقرار تشريع يخفض سن الزواج القانوني إلى 9 سنوات.
وذكر التقرير بأن السوداني أقنع قوات الحشد الشعبي بوقف هجماتها في إطار حرب غزة، وهو ما أبعد العراق عن الحرب بين “محور المقاومة” الإيراني وإسرائيل.
وتابع قائلاً إن السوداني عارض أيضاً الدعوات الداخلية لطرد القوات الأميركية، مفضلاً بدلاً من ذلك عملية إعادة انتشار تدريجية ووجوداً مفتوحاً للقوات الأميركية المتبقية.
كما ألغى القضاء مذكرة التوقيف التي أصدرتها محكمة عراقية ضد الرئيس الأميركي دونالد ترمب بعد أن أمرت إدارته الأولى باغتيال قائد الحرس الثوري الإيراني قاسم سليماني.
ولفت التقرير إلى أن السوداني رفض التوقيع على قانون جديد للحشد الشعبي كان سيرسخ رسمياً “تشريع الميليشيات”، على حد تعبير التقرير.
وبحسب التقرير، فإن هذه الخطوات أثارت مشاعر إيجابية في واشنطن، وساهمت في تحسين الوضع الأمني، واستقرار العراق، ولهذا فإن المزيد من الشركات الأميركية بدأت في استثماراتها فيه، بما في ذلك “إكسون موبيل” و”شيفرون” و”كي بي آر”.
وبعدما تناول التقرير الخطوات العملية التي تتم بعد الانتخابات وصولاً إلى تشكيل الحكومة والتي تبدو واضحة للوهلة الأولى، إلا أنه قال إن العديد من العناصر غير الرسمية للبيئة السياسية العراقية بعد العام 2005 تساهم في تعقيد هذه العملية، وذلك على غرار الوضع في لبنان، حيث تُخصص مناصب قيادية مختلفة لطوائف مختلفة.
وتابع قائلاً إنه بدلاً من استخدام النظام التقليدي لحكومة الأغلبية والمعارضة الرسمية، فإن السياسيين العراقيين اعتمدوا نظاماً شاملاً يحصل فيه معظم الأحزاب على حصة من الكعكة.
ولفت التقرير إلى أن الكورد اختاروا، وبدرجة أقل العرب السنة، مرشحيهم لرئاستي الجمهورية والبرلمان مسبقاً، أما الشيعة فهم يميلون إلى الانقسام إلى فصائل يتنافس فيها مرشحون على رئاسة الحكومة، مشيراً إلى عدم وجود أي مرشح شيعي حصل على مقاعد كافية للفوز بتصويت الثقة بمفرده، ولهذا فإن هذا الوضع يقود إلى محاولة استمالة أصوات العرب السنة والكورد.
وتابع قائلاً إن عملية تشكيل الحكومة العراقية تحولت إلى ما يشبه لعبة “لا شيء يُحسم إلى أن يُحسم كل شيء”، بما في ذلك المناصب الوزارية العديدة والإجراءات الدستورية، وهو ما قد يستغرق شهوراً من الوقت، ويمثل بحسب “معهد واشنطن”، انتهاكاً للمبادئ الدستورية، والذي تم الطعن فيه بنجاح أمام المحكمة في العام 2010، لكنه يتكرر في كل دورة انتخابية.
وأكمل أن السوداني بالرغم من “أدائه الانتخابي المثير للاعجاب”، إلا أنه من المرجح سيواجه صعوبة كبيرة في بناء ائتلاف كاف لضمان حصوله على ولاية ثانية.
وذكر التقرير أن الإطار التنسيقي المدعوم من إيران، وبعد دعمه للسوداني في العام 2021، يشعر الآن بالندم ولن يؤيد عودة السوداني إلى الحكم، وهو ما يمثل عقبة رئيسية بالنظر إلى النسبة الكبيرة من مقاعد البرلمان الجديد التي يسيطر عليها الإطار التنسيقي، بما في ذلك نحو 10% من المقاعد التي تشغلها فصائل تصنفها الولايات المتحدة “إرهابية”.
وقال معهد “واشنطن” إنه بشكل نسبي، فإن السنوات الثلاث الماضية كانت جيدة للعراق وعلاقته بالولايات المتحدة”، مضيفاً أنه برغم أن السوداني كان في كثير من الأحيان حريصاً على شركائه في الإطار المدعومين من إيران، إلا أنه حاول أيضاً موازنة “بعض سلوكياتهم الأكثر إشكالية” وتحسين العلاقات مع واشنطن.
وخلص التقرير إلى أن قوى الإطار التنسيقي في حال فرضت إرادتها في عملية تشكيل الحكومة وأعادت بغداد إلى طهران، فإن العلاقات الأميركية-العراقية قد تعود إلى الأيام السيئة لإدارة ترمب الأولى، عندما كان العراق ساحة معركة حقيقية بين إيران والولايات المتحدة، ولم تكن الشركات الأميركية ترغب في أي علاقة مع العراق.

