علاج جيني لأمراض القلب لدى المصابين بالسكري

2

في تجارب على «قلوب بشرية مصغَّرة» نُمِّيت من الخلايا الجذعية

في قفزة علمية كبيرة نحو علاج أحد أخطر مضاعفات السكَّري، نجح العلماء في عكس فشل القلب الناتج عن السكَّري لدى الفئران، باستخدام نوع جديد من العلاج الجيني، وحققوا النجاح نفسه في «قلوب بشرية مصغَّرة» نُمِّيت من الخلايا الجذعية.

وقد تمهِّد هذه النتائج الطريق أمام فئة جديدة من العلاجات التي تستهدف القلب مباشرة، بدلاً من الاكتفاء بالتحكم في أعراض السكَّري فقط.

إصلاح «محرك الطاقة» في القلب

يعاني كثير من المصابين بالسكَّري من نوع من قصور القلب، يُعرف باسم فشل القلب مع الحفاظ على كفاءة الضخّ (HFpEF) «heart failure with preserved ejection fraction»؛ حيث يفقد القلب مرونته ويصعب عليه الاسترخاء بين النبضات. ويُعد هذا النوع من أمراض القلب شائعاً، ولكن من الصعب علاجه.

والآن، يعتقد فريق بحثي مشترك من نيوزيلندا وأستراليا ومؤسسات دولية عدة، أنه وجد الحل على المستوى الجيني.

وقادت الدكتورة كيم ميلور، رئيسة قسم أمراض القلب الخلوية والجزيئية بجامعة أوكلاند، في نيوزيلاندا، وليا ديلبريدج من قسم التشريح وعلم وظائف الأعضاء بجامعة ملبورن في أستراليا، الدراسة التي نُشرت نتائجها في مجلة «Nature Cardiovascular Research» يوم 29 سبتمبر (أيلول) 2025، وكشفت خللاً خفياً في عملية الأيض داخل القلب المصاب بالسكَّري.

وأظهرت بحوث الفريق أن القلوب المصابة بالسكَّري تفتقر إلى بروتين أساسي يساعد على تكسير مادة الغلايكوجين (glycogen) (وهو الشكل المخزَّن للسكر) وتحويلها إلى طاقة قابلة للاستخدام. ومن دون هذه العملية تتراكم الطاقة في شكل غير فعَّال، ما يجعل القلب صلباً وضعيف الأداء.

وحدَّد فريق البحث بروتيناً (أو جيناً) رئيسياً يُعرف باسم «GABARAPL1» يلعب دوراً محورياً في عملية تُسمَّى الغلايكوفاجي (glycophagy) وهي الطريقة التي يستخدمها القلب لإعادة تدوير الغلايكوجين وتوليد الطاقة.

وتشرح ميلور قائلة: «في القلوب السليمة تساعد هذه الطريقة -أي «الغلايكوفاجي»- القلب على إنتاج دفعات سريعة من الطاقة؛ لكن في السكَّري تتعطل هذه العملية، فيخزن القلب كميات زائدة من الغلايكوجين ويصبح أقل مرونة، وغير قادر على الاسترخاء بشكل طبيعي».

ولإصلاح هذه المشكلة، استخدم الباحثون فيروساً معدَّلاً، وهو أداة شائعة في العلاجات الجينية الحديثة لإدخال نسخة سليمة من جين «GABARAPL1» إلى قلوب الفئران المصابة بالسكَّري.

وكانت النتائج مذهلة؛ حيث تراجعت صلابة القلب بشكل واضح، وتحسَّنت قدرته على الاسترخاء والامتلاء بين النبضات، ولم تتأثر مستويات السكر في الدم أو الوزن، ما يعني أن العلاج استهدف القلب فقط، دون التأثير على التمثيل الغذائي كله.

قلوب بشرية مصغَّرة

لم يقتصر النجاح على الفئران. فقد اختبر العلماء العلاج على قلوب بشرية مصغَّرة، وهي أنسجة قلبية نُمِّيت من خلايا جذعية بشرية في المختبر.

وجاءت النتائج مماثلة؛ إذ بدأت هذه القلوب المصغَّرة بالاسترخاء بكفاءة أكبر بعد كل نبضة، بعد تلقي العلاج الجيني، وهو مؤشر واضح على صحة القلب.

وتقول ديلبريدج أن هذا الاكتشاف يمكن أن يقود إلى نوع جديد تماماً من العلاجات التي تستهدف القلب نفسه. فمعظم علاجات السكَّري تركز على السيطرة على السكر، أما هذا النهج فيعالج السبب الجذري لصلابة القلب، أي الطريقة التي تتعامل بها خلايا القلب مع الطاقة.

وفي حين تساعد الأدوية الحالية على منع بعض مضاعفات السكَّري، فإن القليل منها يمكنه تحسين قدرة القلب على الاسترخاء والامتلاء بالدم. وتصف ميلور هذا النهج الجيني بأنه طريقة جديدة تماماً للتفكير في مرض القلب السكَّري؛ حيث يحتاج القلب إلى كميات هائلة من الطاقة ليستمر في الضخ؛ لكن في حالة السكَّري يختلُّ هذا النظام. وتبين أن إصلاحه على المستوى الجيني يمكن أن يعكس الضرر فعلياً.

ويخطط الفريق لاستكشاف تأثير الفروق بين الجنسين على نتائج العلاج. وتشير النتائج الأولية إلى أن قلوب الإناث تستجيب بشكل أفضل لهذا النوع من العلاج، ربما بفضل نشاط أعلى للطريقة التي يستخدمها القلب لإعادة تدوير الغلايكوجين وتوليد الطاقة، أي لعملية «الغلايكوفاجي».

ورغم أن النتائج ما زالت في مراحلها المبكرة؛ إذ لم تُختبر بعد على البشر، فإن الباحثين متفائلون بإمكاناتها الكبيرة.

أما الخطوة المقبلة فستكون تطوير أنظمة آمنة لإيصال العلاج الجيني إلى القلب البشري، واختباره في تجارب ما قبل السريرية. وإذا نجحت هذه الجهود فقد يشهد الطب القلبي تحولاً جذرياً من مجرد إدارة مضاعفات السكّري إلى علاجها من جذورها.

وتختتم ميلور بقولها: «على مدى عقود عالجنا أمراض القلب الناتجة عن السكَّري من خلال ضبط السكر والتحكم في الأعراض. والآن ولأول مرة يمكننا تخيُّل علاج يعيد إلى القلب نبضه الطبيعي من الداخل إلى الخارج».

التعليقات معطلة.