أوقفوا الحرب فوراً

3

افتتاحية الخليج – الخليج الإماراتية

من يعتقد أنه يستطيع حسم الحرب في السودان لمصلحته إما أن يكون واهماً، وإما أن يكون جاهلاً بتبعاتها ونتائجها، وإما أن يكون مريداً إياها من أجل القتل ولا شيء غير القتل، وهو بذلك يكون خارج المنظومة الإنسانية السوية.
إنها حرب عبثية بكل المقاييس العسكرية والسياسية، لأنها حرب أهلية تجاوزت ثلاث سنوات، وأدت إلى مقتل أكثر من 100 ألف شخص، وتشريد ونزوح قرابة 10 ملايين منهم، وخروج أكثر من 80% من المستشفيات والمراكز الصحية والمدارس والجامعات والمنشآت الاقتصادية-من الخدمة، إضافة إلى مكابدة الحياة بكل مآسيها من جوع وفقر، وضياع جيل كامل من الشباب والأطفال.
هذه هي نتائج الحرب السودانية، فهل من عاقل يمكن أن يبرر استمرارها؟! لا يبرر ذلك إلا جاهل أو مصاب بمسّ أو حالم بنصر لن يتحقق، لأنها حرب تفتقر إلى أسباب واضحة ومن دون استراتيجية أو أهداف، وتتسبب في خسائر بشرية ودمار فقط. لذلك، إن كلمة «النصر» التي يرددها قائد الجيش عبدالفتاح البرهان تفقد معناها عندما يكون الضحايا هم البُرَآء الذين استُخدموا وقوداً للحرب.. فـ«النصر على من؟».
وعندما تؤكد دولة الإمارات في كل مناسبة على ضرورة وقف الحرب في السودان، فلأنها تعرف تماماً أن استمرارها يعني إطالة أمد المأساة السودانية، وأن المضي فيها يشكل خطراً على وحدة السودان أرضاً وشعباً، ويهدد أمن دول المنطقة.
لذلك كرر الدكتور أنور قرقاش المستشار السياسي لصاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، دعوته يوم أمس الأول إلى ضرورة «وقف الحرب الأهلية المأساوية في السودان فوراً»، وأشار إلى أن «السودان انزلق إلى حافة الهاوية، بعد أن قام طرفا الصراع بتقويض الحكومة المدنية الشرعية، ما فاقم الأزمة وزاد من معاناة الشعب السوداني»، وشدد على «أن الحفاظ على وحدة السودان ومنع عودة التيارات المتطرفة، بما فيها جماعات مرتبطة بالإخوان المسلمين، يمثلان أولوية للأمن القومي والاستقرار العربي».
الحل واضح، لا يحتاج إلى معجزة، وهو متاح إذا ما توفرت الإرادة والصدق والوضوح والتخلي عن أوهام الانتصار من خلال السلاح، وقد عملت دولة الإمارات لبلوغ هذا الهدف طوال السنوات الماضية مع الشركاء العرب والدوليين، وخصوصاً في إطار «الرباعية» التي تضم أيضاً مصر والسعودية والولايات المتحدة، ووضعت خارطة للحل السياسي، بدءاً من وقف إطلاق النار وهدنة إنسانية فورية، مروراً بفتح الممرات الإنسانية، وصولاً إلى استئناف المفاوضات نحو انتقال سلمي مدني للسلطة.
وهذا ما أكدت عليه دولة الإمارات مراراً في موقفها الثابت من الأزمة السودانية بما يلبي تطلعات الشعب السوداني، وضرورة «محاسبة شاملة عن الانتهاكات المرتكبة من الجانبين» بحق المدنيين، لأنه لا يجوز أن يكون الضحايا مجرد أصفار لا قيمة لها، أو خسائر جانبية، إذ لا بدّ من محاسبة لكل ما جرى، من أجل الاعتراف بالضحايا وجبر الضرر، ومنع تكرار الانتهاكات، ما يُسهم في بناء سلام مستدام، وتلبية مطالب العدالة وتحقيق المصالحة واستعادة الوحدة الوطنية.
الوقت يمضي، والفظائع تتسع، والإصرار على الحرب لم يعد خياراً بل هو عجز وتدمير وخراب. إنها ليست خيار الأقوياء ما دامت أبواب السلام مفتوحة على مصاريعها.

التعليقات معطلة.