بين البرهان.. ونابليون!

1

افتتاحية الخليج – الخليج الإماراتية

قيل لنابليون بونابرت يوماً: إن جبال الألب الشاهقة تمنعك من التقدم. فقال: «يجب أن تزول من الأرض». لكن الذي حصل أن جبال الألب ظلت في مكانها، في حين كان مصير نابليون الهزيمة في معركة واترلو عام 1815، ونفيه إلى جزيرة سانت هيلانة، حيث توفي هناك.

رغم الفارق الكبير بين نابليون وبين قائد الجيش السوداني عبدالفتاح البرهان، إلا أن الأخير لا ينفكّ يطلب المستحيل ويسعى لتحقيق نصر بأي ثمن إلى أن يزول الشعب السوداني عن وجه الأرض.

يرفض البرهان وقف إطلاق النار، والبدء بمفاوضات تضع حداً للاقتتال وارتكاب المجازر وتهجير الشعب السوداني، ويصرّ على تحدي إرادة السودانيين والمجتمع الدولي، وتنفيذ قرارات مجلس الأمن، وآخرها بيان «الرباعية» التي تضم الإمارات ومصر والسعودية والولايات المتحدة الذي يدعو إلى وقف النار وإدخال المساعدات الإنسانية، وفتح مسار لحل سياسي يقوم على تشكيل حكومة مدنية.

يقول البرهان في معرض رفضه لبيان «الرباعية» إنها «أسوأ ورقة يتم تقديمها، وهي غير مقبولة»، وأضاف «لا أحد يقبل وجود المتمردين أو أن يكونوا جزءاً من أي حل في المستقبل»، وتابع «إن مستقبل العملية السياسية شأن سوداني خاص».

البرهان يتحدث هنا باسم الشعب السوداني ونيابة عنه. ألم يسأل نفسه: من أعطاه التفويض حتى يتحدث باسم الشعب السوداني؟ ومن منحه حق تحديد من يجب أن يكون جزءاً من أي حل؟ وهو الذي فرض نفسه بالقوة والانقلاب على الشرعية والحكومة المدنية في 25 أكتوبر (تشرين الأول) 2021، حيث قام باعتقال رئيس الحكومة آنذاك عبدالله حمدوك وعدد من الوزراء. فالأولوية بالنسبة للسودانيين هي تحقيق السلام وعودة النازحين والمهجرين إلى مناطقهم وتأمين احتياجاتهم، ثم إن الشعب وحده سيختار نظام الحكم الذي يريده عندما يستعيد حريته من أمراء الحرب الذين أدخلوه في جحيم الاقتتال.

يمارس البرهان في الواقع أسوأ أشكال العناد والمكابرة، وهو أساس الفساد في النفس الإنسانية، كي يبقى في السلطة والتحكم في مصير البلاد والعباد، استمراراً لنهجه الرافض لمسار السلام، وتمديد معاناة الملايين من الشعب السوداني. وهو في الحقيقة ينفذ أجندة الإخوان المسلمين الذين ما زالوا يبسطون سلطتهم على أجهزة الدولة.

لن يستطيع البرهان إلباس جماعة «الإخوان» لباس العفة والطهارة والتستر على سوءاتهم ونفاقهم، أو اعتبار نفسه ممثلاً للشعب الذي أغرقه بالدم والجوع والمرض والدمار والتهجير.

من الواضح أن مشروع البرهان ومن يلف لفّه لا يحيا إلا بالحرب، ويلقى مصيره المحتوم بالسلام، لذلك يرفض كل دعوات وقف إطلاق النار، ومن بينها الدعوات المتكررة التي أطلقتها دولة الإمارات، التي لا تترك وسيلة أو جهداً لإخراج السودان والسودانيين من محنتهم، وتوفير أقصى أشكال الدعم الإنساني لتمكينهم من تجاوز معاناتهم، وآخرها الدعوة التي أطلقتها أمس الأول لوقف إطلاق النار من دون شروط، وتحميل البرهان إفشال المساعي الرامية إلى إحلال السلام من خلال رفضه خطة السلام التي قدمتها «الرباعية». وأكدت دولة الإمارات أنها «تتابع بقلق بالغ سلوك طرفي النزاع، حيث يقود تصعيدهما العسكري ورفضهما المتكرر تيسير وصول المساعدات الإنسانية السودان إلى حافة الانهيار». ودعت إلى توحيد الجهود الإقليمية والدولية لوضع حد للفظائع التي ترتكب في حق المدنيين.

من الواضح أن البيانات والمواقف التي تصدر عن المحافل الدولية بشأن السودان لم تعد تجدي نفعاً، ولا بد بالتالي من إجراءات جذرية وحاسمة تضع حداً للمأساة السودانية.

قيل: دلائل الغباء ثلاثة، العناد والغرور والتشبث بالرأي، وهي صفات لازمت نابليون، وتلازم البرهان الآن، لكن شتان بين الاثنين.

التعليقات معطلة.