لعقود طويلة في مرحلة ما بعد تحرر بلداننا العربية من سيطرة الاستعمار الفرنسي والإنجليزي وحصول معظمها على استقلالها وحريتها، واجهت هذه الأقطار أزمة ثقافية ووجودية معاً، هي مدى قدرتها على الانحياز للهوية العربية من أجل التحرر الكامل، هذا التحدي الهوياتي كان تحدياً وجودياً في الحقيقة.
وهذا ما عبر عنه فيلسوف الجزائر مالك بن نبي حين قال (لقد تركنا الاستعمار، لكنه ترك فينا القابلية للاستعمار عبر الانحياز إلى لغته وتحويلها إلى لغة علم وثقافة وتعاملات!)
انحازت شعوب المغرب العربي في قطاعات كبيرة منها لثقافة ولغة المستعمر الفرنسي بسبب طول فترة الاستعمار، وقد قاد ذلك بالطبيعة إلى سيادة ظاهرة القراءة باللغة الفرنسية، وهذا بدوره طمأن فرنسا ومناصري الاتجاه الفرانكفوني على أن الكفة تميل دائماً للخيار الفرنسي والكتاب الفرنسي.
مع ظهور مبادرة تحدي القراءة العربي، على خط الثقافة العربي، وضغط مقولات عزوف الشباب عن القراءة ومحاولات البحث عن حلول لهذه الأزمة القرائية المزمنة بين الشباب تغيرت المعادلة كلها، من الألف إلى الياء، فرح غامر ساد أوساط قطاعات الطلاب والمدارس وأولياء الأمور.
إقبال شديد بلغ ملايين الطلاب العرب المشاركين وخاصة من دول المغرب العربي، هذا يعني حدوث تحوّل ملحوظ لدى الشباب فتزايد الاهتمام بالهوية العربية، كانت نتيجته تراجع صورة فرنسا كحاضنة معرفية وصعود الإنجليزية، ثم العربية، على حساب الفرنسية، الأمر الذي قاد إلى إعادة تقييم الإرث الاستعماري الفرنسي، وتوسع الإعلام الخليجي، والجوائز العربية، والدعم الثقافي العربي.
إن نجاح «تحدي القراءة العربي» لم يأتِ من فراغ بل من موجة هوية جديدة انعكست آثارها مباشرة على معدلات القراءة، وعلى سوق الكتاب.
وحتى لو لم تصدر أية مواقف رسمية غربية تؤشر لانزعاج البعض، فإن انتشار المسابقة وأثرها في المدارس واحتفالاتها الضخمة يجعلها قصة نجاح عربية تُقرأ كنوع من استعادة المجال الثقافي من النفوذ الأجنبي على الأجيال الشابة.

