حمل رسالة مصرية مماثلة للدولية بدعوة لبنان لـ«عدم إضاعة الفرصة الأخيرة»
الرئيس اللبناني جوزيف عون مجتمعاً مع وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (إ.ب.أ)
بيروت: محمد شقير
الزيارة الرابعة لوزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي للبنان، ليست مثل سابقاتها، وتأتي في سياق تأكيده أن القيادة المصرية تقف إلى جانبه في وجه تصاعد وتيرة التهديدات الإسرائيلية بغطاء أميركي، بتوسعة الحرب في نهاية العام الحالي، ما لم يبادر إلى نزع سلاح «حزب الله»، وتحديد جدول زمني لتطبيق حصرية السلاح بيد الدولة، بدءاً من شمال الليطاني امتداداً إلى سائر المناطق اللبنانية، تنفيذاً للقرار «1701».
فالوزير المصري أبلغ رئيس الجمهورية العماد جوزيف عون، ورئيسي المجلس النيابي نبيه بري، والحكومة نواف سلام، والنواب الذين التقاهم باستثناء «حزب الله»، بأنه على تواصل مع نظرائه في المملكة العربية السعودية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وإيران وإسرائيل وآخرين، وأكد لهم «أن إسرائيل تستعد لتوسعة الحرب، وأنه لا أفق لتصعيدها، وقد لا تقتصر على الغارات الجوية، ويمكن أن تتوسع بعمليات برية، وأن القيادة المصرية مستعدة للتعاون مع لبنان لنزع فتيل التفجير ومساعدته للحفاظ على استقراره».
ونقل عنه النواب الذين التقوه، بدعوة من السفير المصري في بيروت علاء موسى، أن القيادة المصرية «تدعم المبادرة التي أطلقها عون في الذكرى الـ82 لاستقلال لبنان، وتعوّل على دور لبري لإقناع (حزب الله) بالتجاوب معها لتطبيق حصرية السلاح، ووقف الأعمال العدائية، والتفاوض السلمي مع إسرائيل للانسحاب من جنوب لبنان».
كما نقلوا عنه ارتياحه «للجهد الكبير الذي يقوم به الجيش لتطبيق حصرية السلاح في الجنوب، واحتوائه في جميع المناطق»، التزاماً من قيادته بالخطة التي تبناها مجلس الوزراء، وبالمراحل التي تم تحديدها للمضي بتطبيق حصرية السلاح لتجنيب لبنان مخاطر التصعيد قبل آخر السنة.
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام مستقبلاً وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (رئاسة الحكومة)
رئيس الحكومة اللبنانية نواف سلام مستقبلاً وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (رئاسة الحكومة)
وكشف النواب أن عبد العاطي أبلغهم «بأن إسرائيل، وبغطاء أميركي، أعدت تقارير تتعلق برفض (حزب الله) تطبيق حصرية السلاح، ورفض قيادته تسليمه للدولة». وقالوا لـ«الشرق الأوسط»، إنها ضمّنتها «إصرار أمينه العام الشيخ نعيم قاسم على تكرار القول بأن الحزب استعاد قدراته العسكرية»، وهذا ما سمعوه من الوزير المصري، الذي رفض «وجود سلاح رديف لسلاح الدولة، وهذا ليس موجوداً في أي دولة في العالم».
ولفت هؤلاء إلى أن عبد العاطي لم يحمل معه أفكاراً محددة لمنع إسرائيل من توسعة الحرب، بل حرص على الاستماع لما لدى الدولة من أفكار، مبدياً استعداد القيادة المصرية لمساعدتها، رداً على ادعاء إسرائيل بأن لبنان لم يتخذ قرارات جدية لجمع السلاح، وأن رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو يصر على توسعة الحرب للبقاء على رأس الحكومة بعد الانتخابات التي يستعد لخوضها.
وفي هذا السياق، أكد مصدر وزاري واكب من كثب اللقاءات التي عقدها عبد العاطي، أن الأخير أبدى تفهماً لما سمعه من عون، حول عدم تلقيه أي جواب من الولايات المتحدة وإسرائيل على دعوته للتفاوض السلمي للتوصل إلى اتفاق يعيد الاستقرار إلى لبنان من بوابته الجنوبية، رغم أنه جدّد دعوته هذه في مبادرته التي أطلقها من صور بمناسبة مرور 82 عاماً على استقلال لبنان.
ورأى المصدر «أن الرسالة التحذيرية التي حملها عبد العاطي للبنان مماثلة للرسائل العربية والدولية التي تلقاها وتدعوه لعدم إضاعة الفرصة الأخيرة بالإسراع بتطبيق حصرية السلاح لتطويق تهديدات إسرائيل». وأضاف أن الرؤساء الثلاثة، «عرضوا أمام عبد العاطي واقع الحال في ظل رد إسرائيل على مبادرة عون، بتوسعة الحرب، وآخرها اغتيالها للقيادي في (حزب الله) هيثم علي الطبطبائي في قلب الضاحية الجنوبية لبيروت، رغم امتناع الحزب عن الرد على الخروق والاعتداءات، التزاماً منه بوقف الأعمال العدائية بحسب الاتفاق الذي رعته واشنطن وباريس، وامتناع إسرائيل عن تطبيقه منذ صدوره في 27 نوفمبر (تشرين الثاني) 2024».
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي متحدثاً إلى الصحافيين في القصر الجمهوري اللبناني (أ.ف.ب)
وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي متحدثاً إلى الصحافيين في القصر الجمهوري اللبناني (أ.ف.ب)
واستفاض عون، بحسب المصدر، بوضع عبد العاطي في تفاصيل ما أنجزه الجيش في جنوب الليطاني، الذي قوبل بمواقف إيجابية من لجنة «الميكانيزم» المولجة بالإشراف على تطبيق الاتفاق. وسأل: لماذا لم تتجاوب إسرائيل، وتستمر في احتلالها لعدد من النقاط، وتتحرش بقوات الطوارئ الدولية «اليونيفيل» المؤازرة للجيش لتطبيق القرار «1701».
وفي المقابل، رأى مصدر سياسي، أن عبد العاطي حمل معه نصائح للبنان لتطويق لجوء إسرائيل لتوسعة الحرب. وقال لـ«الشرق الأوسط»: «هي بمثابة النداء الأخير لدرء الأخطار المترتبة على التهديدات غير المسبوقة للبنان»، داعياً في الوقت نفسه، ومن وجهة نظره، «حزب الله» للتقدم بمبادرة يضعها بتصرف الرئيس عون للإسراع بتطبيق حصرية السلاح قبل فوات الأوان، خصوصاً وأنه لم ينقطع عن التواصل مع قيادته التي ما زالت تتصرف وكأن لبنان لم يشهد تحولات في المنطقة ولم يتأثر بالمفاعيل السلبية لإسناد غزة.
وسأل: ماذا ينتظر «حزب الله»؟ وهل آن الأوان ليتخذ قراراً شجاعاً لتفكيك الحصار الدولي المفروض على لبنان؟ لأنه لم يعد في مقدور الدولة أن تتحمله، وعلى أي شيء يراهن؟ وهل كان المستشار الأعلى للمرشد الإيراني علي أكبر ولايتي مضطراً للتدخل بقوله بأن لا غنى للبنان عن الحزب وأن اللبنانيين ينظرون إليه على أنه أهم من الخبز والمياه؟
رئيس البرلمان نبيه بري مستقبلاً وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (رئاسة مجلس النواب)
رئيس البرلمان نبيه بري مستقبلاً وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي (رئاسة مجلس النواب)
ونقل المصدر عن وزراء، فضّل عدم تسميتهم، قولهم بأن ولايتي اختار التوقيت ليدلي «بنصيحته» للبنانيين للتشويش على زيارة عبد العاطي، بموازاة تحريضه للحزب لإغراق لبنان في الفوضى في حال أن إسرائيل نفذت تهديداتها بما يسمح لإيران بالتدخل لعلها تحجز مقعداً في المفاوضات، وأكد، بحسب الوزراء، أن تدخلها في الشأن الداخلي مرفوض، وأن الضرورة تقضي بتحصين الموقف اللبناني لضبط أداء الموفدين الإيرانيين لبيروت ومنعهم من التدخل في شؤون لبنان، بخلاف تعهّد وزير الخارجية عباس عراقجي أمام عون بعدم التدخل.
ولفت المصدر، إلى أن قراءة الموقف الأميركي من التهديدات، يمكن التأكد منه في الاجتماع المقبل للجنة «الميكانيزم» الذي يأتي في أعقاب إطلاع قائد الجيش العماد رودولف هيكل مجلس الوزراء على التقرير الثالث الخاص بما أنجزه الجيش في جنوب الليطاني مع انتهاء المرحلة الثالثة، الذي يرجّح أن تشارك فيه الموفدة الأميركية مورغن أورتاغوس، فيما نُقل عن السفير الأميركي ميشال عيسى في لقاءات خاصة قوله بأن الرئيس دونالد ترمب يصر على إضافة لبنان إلى لائحة إنجازاته بإنهاء الحروب في المنطقة بتطبيق حصرية السلاح.
ويبقى السؤال: كيف سيتصرف «حزب الله»؟ وهل يبادر للتموضع تحت سقف الحكومة بتسليمه بحصرية السلاح؟ بما يتيح للبنان أن يعيد ترتيب أوضاعه بمنع إسرائيل من الجنوح نحو توسعة الحرب، خصوصاً بعدما تردد أن عبد العاطي التقى، بعيداً عن الأضواء، بمسؤول بارز في الحزب، رغم أن الطرفين لم يؤكدا أو ينفيا الخبر، لعله ينجح في إقناعه بأن يعيد النظر في حساباته بالتجاوب مع الخطة التي وضعها الجيش لتطبيق حصريته، وإلا فإن لبنان مقبل على مواجهة مرحلة تؤدي لخلط الأوراق وتضعه أمام مواجهة غير متوازنة في تعاطيه مع التهديدات الإسرائيلية، مع أن الرهان على أن تؤدي الدبلوماسية الحامية إلى تحقيق ما يدعو إسرائيل لصرف النظر عن توسعتها للحرب.

