الجزء الثامن والأربعون:
هل ستسقط إيران من الداخل أم من الخارج؟ وما السيناريو الأرجح لانهيار النظام؟
لم يعد السؤال اليوم: هل ستسقط إيران؟ بل أصبح: كيف ستسقط… ومتى… وبأي يد؟
فالنظام الإيراني يقف على حافة هاوية تشكّلت من الداخل، وشُدّت حبالها من الخارج، وبينهما منطقة رمادية تتحرك فيها واشنطن وتل أبيب ولندن بذكاء بارد، بينما يتفرج الروس والصينيون بحذر.
في هذا الجزء نضع السيناريوهات الثلاثة المحتملة:
السقوط من الداخل.
السقوط من الخارج.
السقوط بالتجفيف التدريجي (السيناريو الأرجح).
أولاً: السقوط من الداخل… “الثورة المؤجلة”
الداخل الإيراني اليوم يغلي أكثر من أي وقت مضى منذ 1979. ليس بسبب الاحتجاجات فقط، بل بسبب تآكل شرعية الدولة، وتفكك العقد الاجتماعي، وتحوّل النظام إلى ماكينة أمنية منهكة.
العوامل التي تدفع إلى سقوط داخلي:
1. اقتصاد ينهار بلا خطوط رجعة
تضخم متوحش
عملة فقدت قيمتها
بطالة خانقة
فساد مؤسسي
تآكل الاحتياطي النقدي
عجز حكومي غير قابل للمعالجة
2. شعب فقد الخوف
جيل جديد لا يشبه جيل الثورة… جيل “مهسا أميني” الذي أحرق عباءة الخميني رمزياً وعلنياً.
3. صراع الأجنحة داخل النظام
الحرس ضد الحكومة
المتشددون ضد الإصلاحيين
المرشد في وضع صحي ضعيف
صراع على مرحلة ما بعد خامنئي
4. الأقليات القومية
الأكراد – البلوش – العرب – التركمان ليست مجموعات صغيرة… بل قنابل موقوتة تنتظر لحظة الضعف الكبرى.
5. تآكل القبضة الأمنية
قوات الأمن تحاول السيطرة، لكنها باتت تعمل بالحد الأدنى… وكل جهاز داخل الدولة يشكّ بغيره قبل أن يشك بالشارع.
النتيجة:
السقوط الداخلي ممكن… لكن يحتاج شرارة + فراغ خارجي يتيح للشارع أن يتحرك دون قمع مدمر.
وهذا لم يتحقق بالكامل بعد.
ثانياً: السقوط من الخارج… “الضربة التي لا تريدها واشنطن”
الضربة الخارجية التي تُسقط النظام ليست أمراً مستحيلاً، لكنها ليست الخيار المفضّل لدى واشنطن ولا إسرائيل، رغم امتلاكهما القدرة العسكرية.
ما هي معوّقات الضربة الخارجية؟
1. الخوف من حرب شاملة
ضرب إيران يعني إطلاق آلاف الصواريخ على الخليج وإسرائيل، وفتح جبهات من العراق إلى لبنان.
2. دخول روسيا والصين على الخط
إيران ورقة استراتيجية مهمة لموسكو وبكين. وقد يؤدي انهيارها السريع إلى معركة نفوذ عالمية.
3. احتمالية فوضى نووية
لدى إيران برنامج نووي مفكك لكنه نشط. ضربة خاطئة قد تخلق “هوروشيما إيرانية”.
4. انهيار الدولة الإيرانية بالكامل
سيناريو يشبه ليبيا أو سوريا، لكنه بثمانية أضعاف الحجم. الغرب لا يريد فوضى بهذا الحجم.
لهذا تفضّل واشنطن وتل أبيب نموذج التجفيف التدريجي لا “الضربة القاضية”.
ثالثاً: السقوط الثالث… السيناريو الأرجح
سقوط بلا حرب… عبر التجفيف الكامل للأطراف ثم الإجهاز على الرأس
هذا هو السيناريو الذي يجري تنفيذه اليوم بالفعل:
1. تجفيف التمويل
ضرب اقتصاد إيران.
إغلاق منافذ النفط.
محاصرة الأموال في فنزويلا.
خنق تجارة الحرس الثوري.
2. قطع الأذرع الخارجية
انهيار حزب الله في لبنان مالياً وعسكرياً.
اختناق الميليشيات في العراق تحت الضغط الأميركي.
تقليص نفوذ إيران في اليمن.
الملاحقة المالية للحرس الثوري في أميركا اللاتينية.
3. تعرية الرأس
حين تفقد إيران قدرتها على:
تمويل حزب الله،
دعم الميليشيات،
تحريك الحرس،
تشغيل الاقتصاد…
فإنها ستتحول إلى دولة “عارية أمنياً واقتصادياً”.
4. إشعال الداخل عند اللحظة المناسبة
واشنطن لا تريد إسقاط النظام اليوم… بل تريد إسقاطه عندما يكون:
عاجزاً
بلا أذرع
بلا مال
بلا حلفاء
وبلا قدرة على القمع
عندها ينفجر الداخل تلقائياً.
السيناريو الأرجح إذن؟
ليس ثورة داخلية خالصة، ولا ضربة خارجية مفاجئة… بل سقوط عبر الخنق البطيء ثم الارتطام النهائي.
تماماً كما حدث مع:
الاتحاد السوفيتي
نظام بينوشيه
نظام الأبارتايد
نظام صدام بعد الحصار الطويل
التاريخ يثبت أن “إسقاط الأنظمة الكبيرة” لا يتم بالضربة، بل بالتجفيف .
ستسقط إيران… لكنها لن تسقط برصاصة، بل بتراكم الضربات التي تُسقط حجراً بعد حجر، من أطرافها إلى قلبها.
سقوطها سيكون:
بلا ضجة كبرى،
بلا حرب عالمية،
وبلا إعلان رسمي.
بل سيكون شبيهاً بسقوط شجرة عملاقة تم أكل جذورها بهدوء… ولم يتبقَّ سوى دفعة صغيرة.
يتبع غدا الجزء التاسع والاربعون : ،”نهاية “مرحلة السيطرة الناعمة”… وبداية عصر الترتيبات الخشنة”

