اللبنانيون إذا ما استفاقوا!

2

سناء الجاك

لوهلة، تبدو المناوشات السياسية والكباش الحاصل بين الأحزاب اللبنانية الممثلة في مجلس النواب بشأن انتخاب المغتربين تفاصيل درجة ثانية حيال العلل الفعلية التي تنخر جسد الكيان اللبناني.

كبرى هذه العلل تكمن في إعادة تشكيل وعي الناخب اللبناني أينما وجد، فهذا الوعي وحده هو ما يقرر ما إذا كان الهدف من صناديق الاقتراع الإبقاء على العفن الطائفي الحالي، أو فرز أصوات تبقي المعتقدات الدينية والمذهبية في البيت، وتُغلِّب خيارات تصب في الصناديق لمصلحة بناء دولة تلتزم بالدستور والقوانين بعيدا من الغرضية والزواريب المتعرجة.

والأمر ممكن من دون الإخلال بالتوازن الطائفي، في حال توفر الوعي، لأن التغيير الفعلي يبدأ مما يحصل في لبنان وليس من خارجه على أهمية دور الانتشار.

ذلك أن استفاقة اللبنانيين من وهم الالتزام بالحزب القائم على تبعية الطوائف بحجة أنه يحميهم، هي ما يشكل نقطة الانطلاق نحو وطن. حينها لا يعود مفيدًا ما كان قد قاله نعيم قاسم قبيل انتخابات 2022، بأن “هناك بلدانًا تعتبر الميليشيات منظمة إرهابية، وبالتالي هناك إشكالية في القيام بالحملات الانتخابية في هذه الدول، وهذا يحقق عدم المساواة بين الفرقاء السياسيين”.

آنذاك، كانت المساواة معدومة، لأن الحزب الحاكم بأمره صادر البلد لمصلحة وليِّه الفقيه، ووضعه تحت رحمة العدوان الإسرائيلي، وصولًا إلى ما نحن فيه، وصوَّر لطائفته وكأن خلف كل صندوق اغترابي يقبع “مخبر” تابع للاستكبار العالمي، وظيفته أن يرصد اقتراع كل مغترب شيعي على وجه الخصوص، ويكتب تقريرًا لمرجعيته الاستخباراتية به، ما يهدد مصيره ويعرضه للعقوبات وربما للترحيل.

وبناء عليه، لعب “الحزب” على وتر التظلم خوفًا من “المؤامرة الكونية” التي تستهدف الشيعة ككل، متجاهلًا أنه ورأس ممانعته أشد خطرًا، ليس على مصير جماعته فقط، وإنما على لبنان، دولة وشعبًا ومؤسسات.

واليوم التاريخ يعيد نفسه، وربما أكثر من مما كان سائدًا في العصر الذهبي الممانع لجهة السعي إلى إغلاق كل الأبواب التي تحمل رياحًا تغييرية قد تهدد التمثيل الشعبي، وتحديدًا بعد الهزيمة والخسارات السابقة واللاحقة التي تلوح في أفق التسويات الكبرى.

لكن التاريخ القريب يجب أن يذكِّر باقي الأفرقاء اللبنانيين بأن ما ألمَّ بـ “الحزب” كان قد ألمَّ بهم، فكل طائفة في لبنان دفعت حصتها ونالت نصيبها من الهزيمة والخسارة بشكل أو بآخر، وأحست بزوال وهجها وتألقها لتصبح هامشية في المعادلة.

لكن هل استوعب جمهور الأحزاب الطائفية اللبنانية التي استُهْدِف زعماؤها، منذ كمال جنبلاط إلى بشير الجميل، إلى رفيق الحريري إلى حسن نصر الله، بأن الوطن أبقى من السعي إلى الهيمنة على الآخر، وأبقى من هذه النشوة الكاذبة بفائض قوة تنقلب على أصحابها عندما تختل الموازين؟؟

بعد كل هذه النكسات العابرة للطوائف، ماذا لو استفاق اللبنانيون… وحيًا على خير الوطن؟؟

التعليقات معطلة.