كيف يمكن إعادة ضبط التنافس الأمريكي– الصيني في أفريقيا؟

1

ـ طارق العليان
رأى دان إم. فورد، ونجينغ وانغ، الباحثان في معهد كوينسي للحكم المسؤول، أن قدرة الولايات المتحدة على منافسة الصين في أفريقيا لا تتعلق فقط بحجم النفوذ السياسي أو الموارد المالية، بل بطبيعة المقاربة التي تعتمدها واشنطن في إدارة هذا التنافس.
وأكد الباحثان أن التركيز الأميركي المفرط على البعد الأمني، والنظر إلى القارة بوصفها ساحة صراع صفري مع بكين، أضعف الحضور الأمريكي مقارنة بالمقاربة الصينية القائمة على الاستثمار والانخراط الاقتصادي.
وقال الباحثان دان إم. فورد، وونجينغ وانغ، في مقال تحليلي نشره موقع مجلة “ناشونال إنترست”، إن الولايات المتحدة تستطيع تحسين موقعها التنافسي في إفريقيا إذا تخلّت عن عقلية “لكل أو لا شيء”، واعتمدت سياسة جيو- اقتصادية أكثر مرونة تخلق مكاسب مشتركة بدل الاكتفاء بسياسات الردع والضغط.
الجيو-اقتصاد بديلاً عن المقاربة الأمنية
أوضح الكاتبان أن السياسات الجيو-اقتصادية، أي استخدام الأدوات الاقتصادية لتحقيق أهداف جيوسياسية، تشكل مكملاً أساسياً للسياسات الأمنية التقليدية. وأضاف الباحثان أن هذه السياسات قادرة، إذا أُحسن استخدامها، على نقل التنافس بين القوى الكبرى من المجال العسكري إلى مجال التجارة والاستثمار.
وتابع الكاتبان أن الدول تستطيع تعزيز نفوذها إما عبر تعميق انخراطها الاقتصادي مع الدول المستهدفة، أو عبر إضعاف منافسيها باستخدام أدوات مثل الرسوم الجمركية والقيود التجارية. غير أن التجربة الصينية في أفريقيا، برأيهما، أثبتت فعالية مسار الانخراط الاقتصادي مقارنة بالنهج الأمريكي القائم في الغالب على العقوبات والتحذيرات السياسية.
الصين وأفريقيا.. شراكات قائمة على الاستثمار
أشار الكاتبان إلى أن الصين استخدمت تمويل مشاريع البنية التحتية في أفريقيا أداة مركزية لتعزيز نفوذها الاقتصادي والدبلوماسي. فقد قدّم المقرضون الصينيون، حسب الكاتب، أكثر من 182 مليار دولار للقارة بين عامي 2000 و2023، رغم تراجع حجم القروض في السنوات الأخيرة.
وأضاف الباحثان أن بكين سعت إلى تقديم نفسها شريكاً موثوقاً لدول الجنوب العالمي، ولا سيما الدول الغنية بالمعادن والموارد الاستراتيجية، في وقت اكتفت فيه واشنطن غالباً بانتقاد هذا الانخراط من دون تقديم بدائل اقتصادية حقيقية.
تفكيك سردية “فخ الديون”
توقف الكاتبان عند ما يُعرف بسردية “دبلوماسية فخ الديون”، التي يستخدمها منتقدو الصين لوصف سياساتها التمويلية في أفريقيا.
وأوضح الباحثان أن دراسات عديدة، من بينها أبحاث للباحثة ديبورا بروتيغام، لم تجد أدلة قاطعة على وجود استراتيجية صينية ممنهجة تهدف إلى إغراق الدول بالديون للسيطرة على أصولها.
وأضاف الكاتبان أن مشكلات الديون التي واجهتها بعض الدول الأفريقية تعود في الغالب إلى ضعف الإدارة والفساد وغياب الشفافية، إضافة إلى تعقيدات داخلية في النظام المالي الصيني، وليس إلى خطة مدروسة لاستغلال هذه الدول.
تحولات في السياسة الصينية
تابع الكاتبان أن الصين، بعد إدراكها للمخاطر المرتبطة بالقروض الضخمة، بدأت تعديل مقاربتها في أفريقيا. فأصدرت أطر استدامة الديون لمبادرة “الحزام والطريق”، وقلّصت الاعتماد على الإقراض واسع النطاق، متجهة نحو نماذج تمويل أكثر تنوعاً.
وأوضح المقال أن هذا التحول تجلّى في التركيز على ما تسميه بكين “المشاريع الصغيرة والجميلة”، وهي مشاريع أقل كلفة وأسرع تنفيذاً، وتركّز على تلبية احتياجات المجتمعات المحلية، مع الاستمرار في تنفيذ بعض المشاريع الكبرى وفق صيغ تمويل مبتكرة.
المقاربة الأمريكية.. انتقاد دون بدائل
في المقابل، انتقد الكاتبان السياسة الأميركية تجاه أفريقيا، معتبرين أنها اعتمدت في السنوات الأخيرة على توبيخ الدول الأفريقية بسبب تعاونها مع الصين، من دون تقديم خيارات اقتصادية منافسة.
وأضاف الباحثان أن السماح بانقضاء اتفاقية النمو والفرص الأفريقية، في وقت أعلنت فيه الصين استثمارات بمليارات الدولارات وقدّمت إعفاءات جمركية واسعة، يعكس ضعف الالتزام الأمريكي بدعم المسارات التنموية في القارة.
تنافس يمكن أن يخدم الجميع
خلص الكاتبان إلى أن تعزيز الانخراط الاقتصادي الأمريكي في أفريقيا يمكن أن يخدم المصالح الأمريكية، وفي الوقت نفسه يخلق منافسة إيجابية مع الصين تعود بالنفع على الدول الأفريقية. وأكدا أن الاستثمار والتجارة يمكن أن يكونا مجالاً نادراً تتحول فيه المنافسة بين القوى الكبرى إلى فرصة بدلاً من أن تكون مصدراً للصراع.
وختم الباحثان بالقول إن امتلاك الولايات المتحدة لعناصر قوة مثل التكنولوجيا المتقدمة، والمعايير الشفافة، والأسواق المالية العميقة، يتيح لها بناء شراكات حقيقية مع أفريقيا، شرط أن تُدار المنافسة مع الصين بعيداً عن الإقصاء والإكراه، وبما يخدم التنمية والاستقرار.

التعليقات معطلة.