7 دول أوروبية اعترضت على تحويل الأصول المجمدة إلى أوكرانيا خوفاً من رد فعل الكرملين لكن هذا لا يمنح موسكو سبباً للتباهي فهي لا تزال بعيدة من استرجاع أموالها
ماري ديجيفسكي كاتبة
قادة أوروبيون خلال اجتماع بروكسل لمناقشة زيادة تمويل الدفاع الأوكراني (غيتي)
ملخص
الأصول الروسية المجمدة في أوروبا تتحول إلى ورقة ضغط حاسمة لدعم أوكرانيا، وسط جدل قانوني ومخاوف من ردود انتقامية. موسكو تروج لفشل الغرب، لكن أموالها لا تزال بعيدة من متناولها، فيما تبحث بروكسل عن طرق لاستخدامها لتمويل كييف.
على مدى ما يقارب أربعة أعوام منذ الغزو الروسي، حافظ الاتحاد الأوروبي على وحدة موقفه في دعم أوكرانيا، غير أن هذا التضامن بدأ يتعرض لضغوط متزايدة، مما كشفت عنه قمة الاتحاد الأسبوع الماضي التي أظهرت أول انقسام حقيقي ذي دلالة.
القضية كانت، بطبيعة الحال، مالية: هل ستوافق الدول المثقلة بالديون على إبقاء أوكرانيا صامدة عبر اللجوء إلى نحو 210 مليارات يورو (184 مليار جنيه استرليني) من الأصول الروسية المجمدة في بنوك الاتحاد منذ اندلاع الحرب؟ لكن الخشية من ردود انتقامية، ولا سيما من جانب بلجيكا، حيث تحتفظ شركة “يوروكلير” في بروكسل بهذه الأصول، دفعت القادة الأوروبيين إلى خيار مختلف، تمثل في الاتفاق على قرض لأوكرانيا بقيمة 90 مليار يورو من دون فوائد لمدة عامين، يجري تقاسمه بين 24 دولة أوروبية.
ويمثل القرض نحو ثلثي المبلغ الذي يعتقد بأن أوكرانيا ستحتاج إليه لتغطية مصاريفها عامي 2026 و2027.
وكانت المجر وسلوفاكيا، وهما دولتان حافظتا على قنوات تواصل متقطعة مع موسكو، معارضتين منذ البداية لفكرة استخدام الأصول الروسية المجمدة، غير أن هذا الاعتراض أخفى حقيقة أن تحفظاتهما كانت مشتركة، وإن بصمت، لدى دول أخرى. فقد أفيد الأسبوع الماضي بأن خمس دول في الأقل هي بلجيكا وإيطاليا ومالطا وجمهورية التشيك وبلغاريا، تتبنى الموقف نفسه، مع بروز إشارات تردد من باريس في شأن استخدام نحو 18 مليار يورو من الأصول الروسية المجمدة في فرنسا.
الأصول الروسية المجمدة تسيل لعاب المفوضية الأوروبية
إن القضايا المطروحة تمس مبادئ وجوانب عملية بالغة الأهمية، وتداعياتها لا تقتصر على الاتحاد الأوروبي، بل تطاول النظام العالمي بأسره.
وكان التوافق بين الدول التي رأت أن روسيا قامت بخطوات غير قانونية، بالتالي فقدت أي حق في الحماية القانونية الدولية لأصولها الموجودة في الخارج، يقوم على أن هذه الأموال ينبغي استخدامها لمصلحة أوكرانيا، لكن غموضاً أحاط بعد ذلك بما يجب أن تنفق عليه بالضبط تلك الأصول ومتى.
في البداية، كانت الفكرة السائدة هي أن تُخصص تلك الأموال لإعادة إعمار أوكرانيا بعد الحرب، بدلاً من مطالبتها بدفع تعويضات (التي كان من المعتقد بأن روسيا سترفض دفعها). لكن في الآونة الأخيرة، يبدو أن الفكرة تطورت لتفتح إمكان استخدام تلك الأصول للمساعدة في دفع كلف المساعدات العسكرية لأوكرانيا – كي تحل محل ما كانت تساهم في تقديمه الولايات المتحدة الأميركية من قبل – بالتالي، وعملياً، تستخدم الأموال لمواصلة الحرب.
وآخر الأفكار التي جرى تداولها هي أن تستخدم الأموال أيضاً للمساعدة في استمرار تمويل الدولة الأوكرانية – ليس فقط لتمويل آلة الحرب، ولكن أيضاً لدفع رواتب الموظفين الحكوميين، والحفاظ على عمل المدارس والمستشفيات ومحطات الطاقة في البلاد. ومن خلال تلك الأرصدة وبفضلها كان هناك تصور بأن أوكرانيا يمكن أن تظل قادرة على الاستمرار كدولة عاملة لمدة عامين إضافيين ومن دونها فقد تواجه أوكرانيا انهياراً اقتصادياً في وقت مبكر من فبراير (شباط) عام 2026.
في المقابل، جادل معارضو هذا التوجه بضرورة الفصل بين الغزو الروسي غير القانوني والأصول الروسية في الخارج. وانطلق هذا الرأي من أن إقدام الاتحاد الأوروبي على الاستيلاء فعلياً على ودائع دولة أخرى يرقى إلى السرقة، ويقوض مبدأ أساساً في النظام المالي الدولي، ويضر بسمعة الاتحاد الأوروبي ودوله بوصفهما أوصياء موثوقين على أموال الآخرين، ويفتح الباب أمام فوضى عالمية تصبح فيها أصول الجميع عرضة للمصادرة من قوى أجنبية.
ويضاف إلى ذلك رأي مفاده بأن روسيا قد تلجأ إلى المحاكم، وهو ما هددت به سابقاً، وقد تكسب القضايا، مما يترك الاتحاد الأوروبي وبنوكه أمام فاتورة مالية ضخمة.
وتظل الحجج القانونية محل خلاف، لكن هذا الخطر يفسر سبب تصدر بلجيكا صفوف المعترضين، إذ تحتفظ شركة “يوروكلير” بحصة غير متناسبة من الأصول الروسية تبلغ نحو 150 مليار يورو، وطالبت بلجيكا بأن تتحمل جميع دول الاتحاد الأوروبي الأخطار بصورة متساوية، مما لا يرغب الآخرون فيه لأسباب مفهومة. وهذا الخلاف أدى إلى محاولات معقدة لإيجاد مسار قانوني يتيح استخدام هذه الأصول من دون أن تقع اللائمة على الاتحاد الأوروبي، لكن مثل هذا المسار ظل بعيد المنال.
وأحد الحلول المبكرة الذي لم يلقَ اعتراضاً يذكر، كان السماح للاتحاد الأوروبي باستخدام الفوائد المتراكمة على هذه الأصول منذ تجميدها لمصلحة أوكرانيا، غير أن تراجع الدعم الأميركي لكييف الآن يستدعي مبالغ أكبر بكثير، مما أعاد الأصول نفسها لدائرة النقاش.
مقترح آخر، طرحه أخيراً اثنان من أبرز المؤيدين لاستخدام الأصول – رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين ومفوضة الشؤون الخارجية في الاتحاد كايا كالاس – يقضي بإعلان حال طوارئ وتعليق قواعد التصويت المعتادة لفرض الإجراء بالقوة. لكن هذا المقترح لا يبرز فقط أن ما يجري هو في جوهره محاولة للتحايل على القانون، بل يسلط الضوء أيضاً على بعض اختلالات الديمقراطية داخل الاتحاد الأوروبي والتأثيرات التي يمكن أن تتركها في السيادة الوطنية. وهي حجج، كما يتذكر بعضهم، استخدمها دعاة خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي.
وعلى رغم أن “بريكست” أبعد بريطانيا من المشاركة المباشرة في هذا الجدل، فإن دعمها القوي لأوكرانيا ودور لندن كمركز مالي عالمي يجعلان القضية حاضرة هنا أيضاً. ومع أن كير ستارمر لمح حديثاً إلى استعداد بريطانيا للمساهمة في الأصول الروسية المجمدة لديها، فإن الأوساط المصرفية تحذر من هذه الخطوة لأسباب تتعلق بالسمعة، مما يفسر الظهور الإعلامي المفاجئ لوزيرة الخارجية إيفيت كوبر.
فقبل ساعات قليلة من موعد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي، أجرت وزيرة الخارجية مقابلات صحافية خاصة عدة، قالت ضمنها للمالك السابق لنادي تشلسي الشهير لكرة القدم رومان أبراموفيتش، إن أمامه 90 يوماً لتحويل عائدات عملية بيع النادي التي تمت قسراً، إلى أوكرانيا، والبالغة 2.5 مليار جنيه استرليني (أي أكثر من 3.2 مليار دولار أميركي).
وعلى رغم أن أصوله خاضعة للتجميد بقرار بريطاني، مما يجعل هذا الطلب المفاجئ يبدو متكلفاً، فإنه يمكن فهمه، في ظل قمة أوروبية مشحونة بالحسابات، على أنه إشارة رمزية إلى الدعم، وربما أيضاً كوسيلة لتحويل الأنظار عما قد تقرره لندن، أو تمتنع عن اتخاذ قرار، حول أصول روسية أخرى موجودة لديها.
ومع ذلك، لا ينبغي أن يحجب الجدل حول أبراموفيتش جوهر القرار الأوروبي. فحتى لو كانت موسكو تتفاخر بأن “الخطوات غير القانونية… باءت بالفشل”، فإن أصولها لا تزال مجمدة، ومن دون أي أفق واضح لعودتها.
© The Independent
التأثير المخيف لأرصدة روسيا المجمدة في التحالف الغربي

التعليقات معطلة.
