قال الكاتب والخبير في القانون الدولي والدبلوماسية إريك ألتر، إن المرحلة الثانية من اتفاق وقف إطلاق النار في غزة تمثل الاختبار الحقيقي لأي حديث عن السلام، إذ تجمع بين ملفات شديدة التعقيد ومتداخلة، من نزع سلاح حركة “حماس”، إلى إدارة انتقالية فلسطينية، وانسحاب إسرائيلي، ونشر قوة دولية للاستقرار، وكل ذلك في بيئة تعاني انعدام الثقة وتناقض المصالح.
وأضاف ألتر في مقاله بموقع مجلة “ناشونال إنترست” الأمريكي، أن الانتقال إلى هذه المرحلة، مع اقتراب يناير (كانون الثاني) 2026، يتم في ظل توقعات متواضعة للنجاح، إذ تشير النماذج التحليلية والدروس المستفادة من تجارب سابقة في الشرق الأوسط إلى أن فرص نجاح المرحلة الثانية لا تتجاوز 20 إلى 30 في المئة، وهو رقم ينسجم مع سجل تاريخي يُظهر فشل نحو 75 في المئة من تجارب الحكم الانتقالي في الأراضي الواقعة تحت الاحتلال.
خطة طموحة بتفاصيل ملتبسة
أوضح الكاتب أن المرحلة الثانية، المنبثقة عن خطة السلام الأمريكية ذات النقاط العشرين، والتي أقرها مجلس الأمن في نوفمبر (تشرين الثاني) 2025، تهدف إلى تحقيق جملة من الأهداف المتزامنة: نزع سلاح”حماس”، والانسحاب الإسرائيلي من غزة، ونشر قوة استقرار دولية، وإنشاء لجنة فلسطينية تكنوقراطية تحت إشراف مجلس سلام، ثم نقل السلطة إلى سلطة فلسطينية مُعاد هيكلتها.
غير أن ألتر أشار إلى أن الخطة، رغم لغتها الإيجابية، تعاني غموضاً في التفاصيل وتسلسل الخطوات، فضلاً عن تبادل الاتهامات بخرق وقف إطلاق النار، ما يقوّض أي أرضية للثقة المتبادلة.
نزع السلاح.. العقدة الأكثر استعصاءً
تابع الكاتب أن جوهر المرحلة الثانية يتمثل في مسألة نزع سلاح “حماس”، وهو هدف يواجه رفضاً صريحاً من الحركة. وأضاف أن الفترة الانتقالية سمحت لـ “حماس” باستعادة قدر من السيطرة المدنية في أجزاء من غزة، في حين أن ما أبدته الحركة من استعداد لتجميد أو تخزين السلاح لا يرقى إلى مفهوم نزع السلاح الكامل الذي تنص عليه الخطة.
وأوضح الكاتب أن تجارب نزع السلاح التي أشرفت عليها الأمم المتحدة في البوسنة ولبنان أظهرت مقاومة واسعة ونجاحاً محدوداً، وغالباً ما تطلبت قوة قهرية كبيرة أدت إلى نفور المدنيين. أما نموذج إيرلندا الشمالية، الذي نجح في وضع السلاح خارج الاستخدام بشكل كامل ويمكن التحقق منه، فيبدو بعيد المنال في الحالة الغزّية.
وأضاف أن غياب أفق سياسي واضح نحو دولة فلسطينية، أو حتى إنهاء الاحتلال الإسرائيلي لغزة، يجعل من الصعب على دول لها نفوذ على “حماس”، مثل قطر وتركيا، ممارسة ضغط فعّال لدفعها إلى التخلي عن سلاحها.
الانسحاب الإسرائيلي.. أوراق قوة وتأجيل محتمل
أوضح الكاتب أن الخطة تنص على انسحاب تدريجي للقوات الإسرائيلية من غزة، من خلال إجراءات بناء ثقة وإعادة انتشار مرحلية، تحت ضغط دبلوماسي أمريكي وعربي.
غير أن الكاتب لفت النظر إلى أن احتفاظ إسرائيل بالقرار النهائي بشأن المعايير والجداول الزمنية، بما في ذلك فتح معبر رفح بشكل كامل، يمنحها هامشاً واسعاً للمناورة والتأجيل، ما قد يعقّد تنفيذ المرحلة الثانية.
إدارة انتقالية بلا شرعية واضحة
أشار ألتر إلى أن الخطة تقترح إنشاء إدارة انتقالية تقودها لجنة فلسطينية تكنوقراطية غير مسيّسة، تعمل تحت مظلة مجلس سلام دولي مؤقت، لتجنّب الفراغ الذي شهدته دول مثل العراق بعد 2003.
وأضاف أن المشكلة تكمن في غموض بنية هذا المجلس، إذ لا توجد معايير واضحة لاختيار أعضائه، ولا آليات لاتخاذ القرار، ولا دور محدد للأمم المتحدة في الإشراف عليه.
وأوضح أن فرض رقابة خارجية واسعة على الحكم والاقتصاد والخدمات قد ينقل الشرعية بعيداً عن الفاعلين الفلسطينيين أنفسهم، ما يستدعي مرونة أمريكية وضغطاً متعدد الأطراف لضمان أولوية الإرادة الفلسطينية.
قوة الاستقرار الدولية
تابع الكاتب أن قوة الاستقرار الدولية المرتقبة يُفترض أن تضم ما بين 6 آلاف و20 ألف عنصر من دول متعددة، وقد تُقاد من جنرال أمريكي برتبة عالية لضمان قبول إسرائيلي.
وأوضح أن تفاصيل القيادة وقواعد الاشتباك والانتشار ما تزال قيد النقاش، في حين أن نجاح المهمة مرهون بقدرتها على فرض الأمن فعلياً، لا الاكتفاء بدور رمزي. وأضاف أن غياب الالتزامات الصلبة من الدول المحتملة المشاركة، ورفض إسرائيل مشاركة قوات تركية، يزيد من هشاشة هذا الخيار.
الإغاثة وإعادة الإعمار
أشار ألتر إلى أن ضمان تدفق المساعدات الإنسانية دون انقطاع يمثل تحدياً محورياً، إذ تشترط المرحلة الثانية وصولاً غير مقيد للمساعدات، مع الحفاظ على النظام وتقليص مؤشرات المجاعة.
وأضاف الكاتب أن إزالة الأنقاض شرط أساسي لأي إعادة إعمار، كما أثبتت تجارب بيروت والموصل، لافتاً النظر إلى تقارير عن قبول إسرائيلي بمشروع تجريبي محدود في رفح لتمويل عمليات إزالة واسعة، وهو ما يجب توسيعه سريعاً ليصبح مؤشراً على جدية التنفيذ.
مرحلة هشة برهانات عالية المخاطر
خلص الكاتب إلى أن المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار في غزة تظل رهاناً هشاً، محاطاً بضغوط داخلية وخارجية، من بينها رفض غالبية الإسرائيليين لفكرة الدولة الفلسطينية، وإصرار “حماس” على البقاء في غزة، وفجوات التمويل اللازمة لإعادة الإعمار.
وأكد ألتر أن النجاح لا يتوقف على النصوص والقرارات الدولية، بل على وضوح الإرادة السياسية، وتوازن الضغوط، والقدرة على التنفيذ الصارم. ومن دون ذلك، تبقى المرحلة الثانية خطوة محفوفة بالانكسار أكثر منها جسراً ثابتاً نحو السلام.

