بقلم : روزانا رمّال
ليست محاولة من الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للقول إن للأزمة السورية فضلاً كبيراً على إعادة الدور الروسي الفاعل في تقرير مصير المنطقة. وهو الأمر الذي صار بديهياً نظراً لما للازمة من أبعاد تحكم الوجود الروسي في الشرق الأوسط لفترة غير وجيزة، إنما هي محاولة لإيصال رسالة مباشرة للأميركيين، في الوقت الذي تمعن السلطات المعنية مدعومة بقرارات الكونغرس تفريغ الأزمة من مضمونها بالتغطية وراء عقوبات على رجال أعمال روس ومقربين من الرئيس بوتين.
يقول بوتين بالأمس، وبشكل واضح وهو يستعرض نتائج العملية الخاصة الروسية في سورية، إن «دحر فصائل الإرهابيين في سورية المزوّدين بشكل «جيد» أظهر قوة جيشنا وأسطولنا، وأكد المدى العالي لفعالية وجودة السلاح الروسي «. وتابع لقد «استخدم خلال العملية في سورية، حسب معطيات وزارة الدفاع ، أكثر من 215 نوعاً من الأسلحة المحدّثة والواعدة، وكذلك معظم المعدّات العسكرية التي يجري استغلالها حالياً في قواتنا.. هذه الأسلحة والمعدّات أكدت بشكل عام قدراتها العالية!».
بكل تأكيد كانت سورية ملعباً ومسرحاً لاختبارات أسلحة جديدة روسية وأميركية أيضاً. لا يمكن فصل التطور التكنولوجي وسياسة التسلح عن تجارب عملانية على الأرض، فكيف بالحال في حرب ضروس بوجه عدو تكفيري عقائدي مستعدّ للكثير من اجل الصمود بما في ذلك العمليات الانتحارية؟
الميدان السوري فرصة ذهبية للجيش الروسي في مراقبة نشاط عديده البري والبحري والجوي والاستخباري لكشف ثغرات هذا الجيش ونقاط قوته، ولكشف فعالية هذا السلاح من ذاك والأهم ارسال الرسائل الى الأعداء وهم الأميركيون، اعداء التاريخ الذي لا يبدو أنه يغيب عن ذهن الأميركيين في لحظة مصيرية من عمر المنطقة تستوجب تقارب الطرفين.
وفي الوقت الذي تعلن واشنطن فيه رسمياً التوجه نحو سياسة التصدي للقوى العظمى «التصاعدية» أي تلك التي تخضع لتطور تكنولوجي وتسليحي ونمو اقتصادي سريع أبرزها روسيا والصين، يطلق بوتين رسالة الحرب الباردة من بابها العريض بإعلانه أنه تم اختبار 215 نوعاً من السلاح المحدث والمطور خلال الحرب. هذه الأسلحة التي يتحدث عن تطويرها بوتين تقول للأميركيين التالي:
أولاً: استطاعت روسيا هزم المشروع الأميركي في سورية المتمثل بدعم قوى التطرف وتنظيم الدولة «المزعوم» وتغيير معالم الشرق الأوسط المعمول على إطلاقه كخيار تقسيمي على اساس طائفي. وهذا السلاح قادر على صد المزيد من المشاريع.
ثانياً: ليست روسيا وحدها المستفيدة من هذا التطوير العلمي. فالعلاقة الجيدة مع حلفائها جعلتها أحد ابرز عناوين مخازن بيع السلاح للشركاء الإقليميين، خصوصاً أولئك الذين يتقاسمون معها الحرب ويؤكدون على استراتيجية الخيار الواحد اي ايران وسورية.
ثالثاً: الصراع الأميركي الروسي الذي يشمل نواحي اقتصادية لن يمنع حقيقة وجود مساحات واسعة لتطوير الاقتصاد الروسي بعد التطوير العلمي والتكنولوجي لبرنامج التسليح. وهذه المساحات يتيحها الانفتاح الاقتصادي الروسي على المنطقة عبر سورية وإعادة الإعمار، حيث للشركات الروسية حصة الأسد من جهة وعبر العلاقة الاستراتيجية مع العملاق الاقتصادي الصيني وبالتالي فإن فكرة تطويق الاقتصاد الروسي عبر العقوبات ليست مجدية، وكلها نتيجة هذا السلاح المطوّر حتى أن الرئيس الروسي خاطب جمهوره ممازحاً «أشعر بالإهانة لعدم إدراج اسمي على لائحة العقوبات الأميركية».
رابعاً: السلاح الذي تأكدت روسيا من فعاليته في حرب من هذا النوع هو سلاح «رادع» في وجه اي مخطط غربي جديد تجاه المنطقة، لكن الأخطر ان يصل هذا السلاح الى منظمات وحشود شعبية برزت في الحرب الممتدة من سورية حتى العراق واليمن، أولها حزب الله الذي له تجربة مع السلاح الروسي منذ حرب تموز وروسيا مستعدّة لتقديم او بيع هذا السلاح الى حلفائها اذا اقتضى الامر، وحزب الله ليس وحده المستفيد منه من بين المنظمات غير الحكومية في المنطقة. وهو ما يؤكد توسيع نفوذ روسيا يوماً بعد آخر.
نجح بوتين بإرسال الرسالة التي بعثها للأميركيين على شكل تقييم للاعمال العسكرية لجيش بلاده، لكنه بالحقيقة اراد ان يرد على استراتيجية وزارة الدفاع الأميركية الجديدة التي أتت على لسان الوزير دايفيد ماتيس الذي اكد بقاء بلاده في المنطقة. وهو الامر الذي يعني امراً اساسياً وهو عدم اخلائها الى روسيا على الأقل في المرحلة الحالية. وهذا ربما عودة الى الوراء ونقطة تؤكد على التصعيد بالموقف الأميركي تماشياً مع التصعيد السياسي المتمثل باعلان القدس عاصمة لـ«إسرائيل» ورغبة واشنطن نقل السفارة من تل ابيب الى القدس.
بالمحصلة اعلنت روسيا إفشالها المخطط الذي هدف اولاً واخيراً الى الزحف الى روسيا وإسقاط النظام الروسي وتقليب المعارضة كان خياراً أميركياً وخليجياً جدياً منذ العام 2012، وقد بدا ذلك عبر اعترافات معارضين روس بتواصلهم مع الأميركيين والارهاب الذي ضرب روسيا ومسقط رأس الرئيس بوتين اكثر من مرة «سان بطرسبرغ» هو دليل كافٍ اعطى الروس مبرر المشاركة في العملية العسكرية.
هذا السلاح بالنسبة لبوتين حمى قبل كل شيء الامن القومي الروسي وافشل الحرب الأميركية على روسيا التي حققت نقاطاً مباشرة في مرمى الأميركيين الذين يقرأون التفوق الروسي عليهم بهزيمة مشروع «الدولة الاسلامية» والتقسيم بشكل جيد.