حاوره : أحمد الحاج
إذا كانت مقولة الكاتب المسرحي والروائي الانكليزي ، سومرست موم ‘ من عجائب الحياة أنك إذا رفضت كل ما هو دون مستوى القمة، فإنك دائمًا تصل إليها’،تصدق على أحد ما ، فإنها تصدق على هذا العراقي المبدع الذي لم يترك غصنا من غصون المعرفة والثقافة إﻻ وبنى فوقه عشا ، وﻻ بستانا من بساتينها الغناء إلا وغرس فيها غرسا ، مستلهما من جذوره الضاربة في عمق التأريخ وتربة وطنه الذي يحبه حبا جما ، معينا لعطائه الثر الدافق ، حصل على قلادة الإبداع والتميز في المهرجان السنوي الثالث الذي نظمته مؤسسة (صدى الحياة الدولية) ،والذي أقيم تحت شعار “المبدعون يتغنون لوحدة العراق”، ضمن أفضل 100 شخصية لعام 2017 في بلاد الرافدين لما قدمه في مجال الإعلام بمختلف فنونه من المقالة والتحقيق والحوار والتقرير والعمود الصحفي في عدد من الصحف والمجلات الورقية والالكترونية المحلية والعربية والدولية ، وكان لزاما أن ألتقيه ، أنا الشغوف بالتعرف والتعريف بأمثاله للناس لنرتشف رحيق بعض ما عندهم من الثقافة الموسوعية التي زخر بها العراق كابرا عن كابر فكان هذا الحوار الشائق الذي تنقلنا فيه من مرفأ الى آخر في رحلة تنسمنا خلالها عبق الصحافة والسينما والمسرح والتلفزيون والإذاعة والسياحة والفلوكلور ، إنه الدكتور خالد القيسي ، الذي إستقبلنا بإبتسامة المثقف المتواضع التي لم تغادر محياه طيلة وجودنا معه وبحفاوة العراقي الذي يرفع شعار ‘ يا ضيفنا لو زرتنا لوجدتنا … نحن الضيوف وأنت رب المنزل ‘ مهما عصفت به الرياح العاتية وإدلهمت به الظروف القاسية وبادرناه بسؤال سرعان ما أجابنا عليه ببديهة حاضرة على إيقاع إستكانات الشاي المهيل مع ‘الكليجة ‘البغدادية :
* أن تكون متخصصا بمجال معين من حقول المعرفة ، العملية والنظرية ، الانسانية والعلمية ، فذلك ما درج عليه الناس وألفوه ، ولكن أن تكون لك بصمة في كل منها فذلك ما يخرج عن المألوف ، فمن الفن كالمسرح والتشكيل والسينما والإخراج والتصوير ، الى الصحافة والسياحة ، مرورا بطرائق التدريس والسياسة كانت مسيرتك المهنية الحافلة ففي أي المحطات تجد نفسك ؟
ج – قد لا أكتمك سرا إذا قلت لك أني قد أجد نفسي في جميعها ﻷن في كل ماذكرت كانت الهواية هي الحافز للولوج في عوالم المجهول لإكتشاف المعلوم ،فتجدني تارة أنغمس في ضروب الفن ليكون متنفسي وتارة أخرى أجد نفسي في مقالة وكأنني أحوك بها سجادة أنقش فيها ذاكرتي ﻷجد القارئ المتلهف المتتبع لعمودي ، أسبوعيا كان أم شهريا والتي تنم عن رؤية ميدانية إستشرافية لواقع كوى جسدي كباقي أبناء جلدتي عساه ان يتطبب بجميل مفرداتي .
*قاطعته متسائلا ‘ أبالموهبة أم بالدراسة أقتحمت تلك العوالم وتنقلت بين جزرها حاملا على كاهلك هموم الوطن والمواطن .
ج – ‘ كن او ﻻتكن ‘ بي أور نوت تو بي ، مقولة رائدة فجرها شكسبير ذات يوم دفعتني الى أن اكتشف ذاتي ، بلا شك أن الموهبة كانت اﻷساس في سبر أغوار الفن والكتابة وكغيري من الذين يعشقون ضروبها وأذكر ان ما حفزني على الكتابة أن معلم اللغة العربية بمادة الإنشاء كلفنا بكتابة موضوع ‘ يوم في حياتي ‘ وبلغة المختبر لقدراتي كتبت ما يجول في خاطري فهاجمني بقوة سائلا إياي ‘ من الذي كتب لك هذا ؟!’ ووبخني أمام زملائي ظنا منه أن غيري من كتبه لي ما دفعه الى أن يرغمني على كتابة موضوع آخر داخل الصف وتحديدا عن فلسطين الحبيبة وبلغة التحدي لنفسي وله كتبت ما شعرت أنه يبرز موهبتي ، فأعجب بما كتبت أيما إعجاب وأثنى علي قائلا ‘ أنت مشروع لكاتب كبير وأتوقع أن يكون لك شأن فيها ‘ فكانت نقطة الإنطلاق وخط الشروع في الكتابة ، وكانت خطب المدرسة بقلمي، أسعفني بها خطي الجميل وكنت قارئا جيدا للقرآن الكريم وأحفظ الشعر ، كما ان اللغة العربية بالنسبة لي جسر موسيقي تطرب له أسماعي وكنت أتابع كل المسلسلات التي تتحدث بالفصحى فأستهوتني حركة الممثل ونشأت لدي حركة التقليد ‘ تقليد المعلم ، المدير ، الطالب ، الممثل ‘ وكانت البوادر اﻷولى التي دفعتني الى دخول معهد الفنون الجميلة والحصول على دبلوم المسرح ، ومن ثم بكالوريوس إخراج سينمائي فالدبلوم العالي في الدراما من بريطانيا ومن ثم تدريسي في معاهد وكليات الفنون الجميلة لمواد مختلفة في الموسيقى والمسرح والسينما والتشكيل والخط والزخرفة ولذلك أصبحت موسوعيا من خلال متابعة المصادر والبحوث ودراسة مكنونات مختلف القنوات الفنية وكنت طيلة فترة دراستي وتدريسي مصاحبا ﻷساتذة أكفاء منهم من علمني أبجديات المسرح وآدابه وقواعده وسلوكياته ورسالته فكان النجم المصري ، محمد توفيق، في مادة التمثيل ونادية السبع ونبيل اﻷلفي ومحمود اﻷلفي والمخرج صلاح ابو سيف، في السينما ، وتوفيق صالح وحميد محمد جواد وثامر مهدي وفائق الحكيم وغيرهم كثير في مجالات أخرى .
*هل خضت تجارب مسرحية وسينمائية على مستوى الإخراج والتمثيل ؟
ج – بالتأكيد ، لقد مثلت في مسرحيات متعددة منها ‘ أصدقاء ‘ للمؤلف هربرت فارجيون ، ومسرحية ‘ كوريو لاين ‘ اخراج عوني كرومي ، وفي مسرح الطفل ‘ الباص القديم عنتر ‘ للمخرج الالماني هانز ، ومسرحية ‘ رغبة تحت شجرة الدردار ‘، أما في مجال السينما فقد أخرجت أفلاما روائية ذات ملامح تسجيلية وأخرى تسجيلية فازت في مهرجانات محلية ودولية منها فيلم ‘ تأهيل ‘ وفيلم ‘ عطاء ‘ وفيلم ‘ الجامع ‘ وفيلم ‘ كن رجلا ولا تتبعني ‘ لغوتيه ، وأفلام لصالح التلفزيون منها ‘ بابل بابلونيا ‘ و’ عالمه فضة ‘ اما على مستوى الاذاعة فلقد كنت أعد برنامج ‘ صباح الخير ياعراق ‘لعامين متتالين أما في التلفزيون فـ ‘ ابيض وأسود ‘ كمساعد مخرج مع فارس مهدي .
* بعد أن أبدعت في الحوارات والتحقيقات الصحفية ، مخرت سفينتك عباب بحر السلطة الرابعة لتستقر في مرفأ العمود الصحفي والمقالة ،لماذا إخترت هذا اللون من دون سواه ؟
ج- أحمد الله تعالى على أنني قد تدرجت مهنيا وأعتقد أنه ومن القلائل في هذه المهنة من وجد نفسه ملتزما بالانتقال من موقع الى آخر ، فقد تدرجت من المحرر الى مسؤول صفحة الى سكرتير تحرير تنفيذي ومن ثم مدير تحرير وصولا الى رئيس تحرير وبرغم مهنيتي فقد درست الصحافة أكاديميا وحزت على البكالوريوس والماجسيتير والدكتوراه في طرائق التدريس والاعلام وبإمتياز ، وكانت محطاتي كثيرة عملت خلالها في المدرسة الاولى بالصحافة ‘ جريدة الجمهورية ‘ وصحف ماقبل 2003 نحو مجلة الرشيد ، الصحف الاسبوعية ، مجلة وادي الرافدين ، مجلة السراج ، اﻷوقات العراقية ، صحيفة شيحان اﻷردنية ، السينما والناس المصرية ، الاتحاد الاماراتية ومن ثم رئيسا لتحرير جريدة ‘اﻷرض الطيبة ‘ و’ الحق المشروع ‘ و’ الغد الاسبوعية ‘ اوروك السياحية .
* لنتوقف قليلا عند اوروك السياحية ، ماذا تمثل لك المجلة والسياحة ؟
– القدر هو الذي وضعني في مجال كنت أحبه ولكنني وكحلم وردي وجدت نفسي في مكان شغل تفكيري طويلا ﻷجد نفسي في مجلة ‘ وادي الرافدين’ السياحية ، التي تحول إسمها فيما بعد الى اوروك نسبة الى العراق القديم وبموضوعات شتى واخراج صحفي متميز برفقة زملاء بعقلية سياحية ، منهم خالد ابو التمن ، وانور الهاشمي ، ووجدان ادور ، وآخرون لننتقل من المواضيع التقليدية الى نظيراتها غير مطروقة محليا مثل الباص السياحي ، حفلات الزواج الجماعي ، ندوات حول التراث والاثار ، ومهرجانات التزيين ، ومهرجان الفواكه والثمار ، مسابقات الطيور الزاجلة ،مسابقات جماهيرية مبتكرة ، يوم في حياة فنان ، وغيرها الكثير ما لايتسع المجال لذكرها مع تأسيس نقابة للسياحيين هي اﻷولى في العراق .
* مر المسرح العراقي بفترات متعددة ،ماهو تقييمك لواقع المسرح العراقي اليوم من وجهة نظر أكاديمية ؟!
ج – كما يعلم الجميع أن المسرح هو أبو الفنون ولذلك إن تحدثنا عن المسرح العراقي فلابد لنا من الاشارة الى محطات مضيئة في سفر تأريخ هذا المسرح العريق ، برغم مروره بفترات صعود و أفول فقد ظهرت تجارب متجددة حداثوية منها مسرح الصورة ، لصلاح القصب الذي يختلف من حيث تكنيك المسرح وجغرافيته عن المسرحيات الكلاسيكية ، وجماعة المسرح الفني الحديث وجماعة الستين كرسي بمسرحيات تركت أثرا لدى المهتمين والمتابعين لحركة المسرح وفي مقدمهم ‘ سامي عبد الحميد ، بدري حسون فريد ، جاسم العبودي فظهرت لنا كلكامش وعطيل واذا أردنا ان نتحدث عن تجارب حداثوية فعوني كرومي، ترك بصمة في ذلك كمسرحية كريولاين ، وفي فترة الستينات بلغ النضج المسرحي أوجه بدليل ان المسرحات التي عرضت و تبنتها الفرقة القومية للتمثيل والمسرح الحديث وكذلك مسرح الجماهير السياسي ومن روائعه ‘ الشريعة والخرابة ، اني امك يا شاكر ، الخرابة والرهن ، نفوس ، خيط البريسم ، المفتاح ، وكلها ليوسف العاني ، وكذلك مسرحيات (النخلة والجيران) و (بغداد الازل بين الجد والهزل) و (اضواء على حياة يومية)
و(كان ياما كان) و(اب للبيع أو للايجار) و ‘طير السعد’ للاطفال .
، لتأتي بعدها تجربة الجماهير التي تبناها محسن العلي ضمن المسرح العسكري ‘ وقدمت روائع مثل بيت وخمس بيبان ، المحطة ، بيت الطين ، وغيرها ‘ وهناك مسرحيات استلت بعض نصوصها من المسرح العالمي ، وتم تعريقها جسد أدوارها نخبة من الفنانين العراقيين ‘ طالب الفراتي ، قائد النعماني ، سعدية الزيدي ، فوزية عارف ، يوسف العاني ، وجدي العاني ، ابراهيم جلال ، قاسم محمد ، عماد بدن ، كاظم عبد الجبار وقدموا أعمالا لنصوص مميزة وبرؤية اخراجية متميزة وبأداء أسهم بشكل وبآخر بالتخفيف عن وطأة معاناة المرحلة ، غلفت بطابع كوميدي مع إيصال رسالة ضمنية فيها الكثير من المعاني المستترة إختلفت في تأطيرها ، بعضها يحمل من الكوميديا وبعضها يحمل من التراجيديا وبعضها يحمل الجانبين كونه يحمل وجهي الصراع ، الخير والشر وهناك نصوص قدمت من خلال كليات ومعاهد الفنون الجميلة حافظت على تقديمها وفق القاعدة الارسطية وصاغها اساتذة مميزون ، عزيز جبمر ، وحامد خضر ، لتظهر بعدها أشكال من المسرح أطلق عليه المسرح الاستعراضي واﻵخر المسرح الشعبي ،وبعض النقاد المسرح التجاري ، كان يستخدم ألفاظا لاتتناسب وحجم المشاهدة من قبل العوائل العراقية الكريمة بوجود مسارح كثيرة في العاصمة بغداد ، ونحن كمتتبعين لحركة المسرح ولكون المسرح العراقي الرائد عربيا واقليميا فنحن ميالون الى المسرح صاحب الرسالة الذي يطرح موضوعا معاصرا ليستنهض همم المتلقي بغية الاصلاح والتطوير والتنوير .
*بإعتبارك أحد الدارسين في المدارس اﻷوربية فيما يتعلق بالدراما والسينما حصرا ماهو تقييمك لواقع السينما العراقية بين اﻷمس واليوم ؟
ج – في الحقيقة سؤالك جميل اذ ان المتطلع الى تأريخ السينما العراقية وهي بالحسابات الفنية كجامعة للفنون وأسماها ، أنها مرت بمراحل متعددة وبرغم عراقتها بعد مصر، إﻻ انها وللاسف لم تأخذ نصيبها من الإهتمام ، ويرجع ذلك الى أسباب كثيرة يأتي في مقدمتها غياب الاهتمام الفعلي وتأثير الفيلم العراقي على الجمهور من النواحي التربوية والنفسية والاجتماعية وتتعدى ذلك الى الاخلاقية ، وكما نعلم ان السينما فن وتجارة وصناعة ، لذا لايمكن إغفال أي جانب من تلك الجوانب ،فالتكنولوجيا عامل مهم في التأثير على المشاهد ومتابعته للحدث الدرامي للفيلم ، ولذلك من اشكالات السينما العراقية ان الفيلم بحاجة الى المال ، والى التسويق وهذا ضعيف على المستوى المحلي ، علاوة على الافتقار الى شروط اللجان التحكيمية من حيث مدة الفيلم وموضوعه ، افتقار الممثل الى دورات تطويرية عالمية وضعف الصناعة السينمائية في العراق بصورة عامة ، فضلا عن عدم وجود نصوص لتكون عملا سينمائيا ، فنجيب محفوظ على سبيل المثال كان يكتب روايات تصلح للسينما ، وﻻيفوتني ان أنوه الى من أسباب إنحسار السينما العراقية يكمن في عدم وجود معهد متخصص لكتابة السيناريو مع وجود تجارب إبداعية شكلت محطة مضيئة في السينما العراقية ‘ كفيلم الاسوار ، الظامئون ، سعيد افندي ، الحارس ، الجابي ‘.
* تقييمك للأنتاج المشترك وهل شكل قفزة في عالم السينما العراقية ؟
ج – بلاشك ان الانتاج المشترك يمنح البلدين تناقل خبرات ويعمل على تلاقحها ، ومن نتاجها فيلم المسألة الكبرى ، بابل حبيبتي ، القادسية ، القاهرة بغداد ، قطار الشرق ، لقد انتجنا 100 فيلم ، قبل ان تباغتنا على حين غرة موجة الافلام السكرين لهابطة التي أفقدت رونق وجمالية وسحر الشاشة الكبيرة وطردت جمهورها ، لينتهي بعدها عصر السينما العراقية اضافة الى غياب صالات السينما محليا وعزوف اﻷسرة العراقية عنها ﻷسباب عديدة، بعد ان كانت بغداد تزخر بدور عرض متميزة تضاهي نظيراتها الاوربية كسينما اطلس ، الخيام ، بابل ، النصر ، غرناطة ، سميراميس ، النجوم ، أفلت كلها وتحول معظمها بعد تقطيعها الى اسواق ومخازن ومحال لبيع قطع الغيار وماشاكل .
*مرت الدراما العراقية بمراحل متعددة منها ماحققت شهرة ومنها ما إنحسرت ، أين تضع الدراما المحلية بين مثيلاتها العربية ؟
ج- في أغلب الوسائل المرئية أمر طبيعي أن تعاني الدراما من مراحل صعود و هبوط في المستوى والأداء وهذا راجع الى عوامل كثيرة ، منها ثيمة العمل وواقعيته والاستخدام التقني للدراما فضلا عن وجود شخصيات محبوبة لدى الجمهور، اضافة الى كاتب السيناريو المميز ، فلو قارنا منصفين بين الدراما العراقية وبين نظيراتها المصرية والسورية نجد ان هناك بونا شاسعا بينها ﻷن عامل التشويق المهم للتواصل مع أحداث المسلسل ضعيف محليا ، أسامة انور عكاشة على سبيل المثال عندما يكتب فإنه يكتب بلغة الصورة ويحاول أن يجعل المتلقي في تشويق دائم لما سيحدث ، فيهيم المشاهد بحلقاته الى نهاية المسلسل خلال 30 حلقة وما يرفع من رصيد المسلسل لدى المتلقي وجود ممثلين من صناع للدارما ، بخلاف المسلسل العراقي إذا ما إستثنينا ( الذئب وعيون المدينة ، والنسر وعيون المدينة ) وفتاة في العشريين والدواسر وأمثالها ، نجد أن هنالك عمل درامي وفن متعوب عليه من ناحية استخدام الكاميرا ، المونتاج السريع، اللغة التلفزيونية التي تتعامل مع الصورة ، إلا ان الفشل يكمن في الاثارة وعنصر التشويق لعدم توظيف الممثلين مع وجود التصنع والمبالغة في تجسيد اﻷدوار وباﻷخص في المسلسلات التأريخية فمعظمنا يتصور ان الصراخ والعويل هو الفيصل الفاصل في نجاح المممثل والعمل ،اضافة الى المكياج والتعبير الذي لم يستخدم بالطريقة المثلى !
* لماذا لم يكن المكياج المحلي على وفق اﻷساليب العالمية التي تمنح المشاهد الثقة بأن هذه الشخصية حقيقية ؟
ج – للاسف لم نستفد من تجربة ،مؤيد داود وهبي ، أستاذ التعبير وفن المكياج وهو خريج ايطاليا في اكاديمية الفنون في إبراز معالم الشخصية الانسانية وتحويل شاب الى رجل بعمر الخمسين ،وظل استخدام اللحى الصناعية بطريقة ساذجة ، مع عدم استخدام الاقنعة كما في مسلسل ( فارس بلاجواد ) وبطله محمد صبحي الذي ظهر بأكثر من قناع مقنع للجمهور ، لقد نجح ابراهيم عبد الجليل في إبراز مواهب جميع المممثلين العراقيين وأخفق غيره في أعمال وارتقوا في أخرى ولانعمم ؟ هناك مسلسلات تفتقر الى البنية الدرامية وتسلسل اﻷحداث فضلا عن الإستخدام اﻷمثل للتكنيك التلفزيوني ، بخلاف المسلسل اﻷجنبي اذ ان المشاهد لايمكنه الإحجام عن المشاهدة ﻷنه و في كل ثانية هناك حدث جديد مرتبط بالذي سبقه والذي يليه وفق تسلسل درامي محبوك حبكة جيدة يبدعها السيناريست بشكل جيد وهذا ما نفتقد اليه في أعمالنا الدرامية لعدم وجود معهد متخصص كما في فرنسا لكتاب السيناريو الذين يتمتعون بمخيلة خصبة في كتابة الدراما على مستوى التلفزيون والسينما والاذاعة .
*على ذكر الإذاعة كان لصوت الجماهير واذاعة بغداد حضور فاعل من قبل الجمهور طغى في كثير من اﻷحيان على التلفزيون ، لماذا برأيك ؟
ج – لايختلف إثنان على ان إذاعات العراق كانت مميزة ، لوجود تخطيط مدروس منذ نشأتها في زمن الملكية و اذاعة قصر الزهور التي كان يشرف عليها الملك غازي ، فضلا عن وجود ملاك عامل مميز اغلبهم لاينتقل الى التلفزيون اﻻ بعد مروره بالاذاعة لكونها بمثابة مختبر جيد للمذيعين بوجود مركز متخصص لإختبار قدرة المذيع في سلامة اللغة واتقان مخارج الحروف والتوقفات المعلقة والدائمة والصوت الرخيم ومن يجتاز تلك الدورات فإنه محظوظ بمواصفات معينة ﻻتقبل الوساطات ولا المحسوبيات والمنسوبيات بعيدا عن كل التدخلات حيث كان الجيد يفرض نفسه فكان هناك جيل من المذيعين والمذيعات امثال كلادس يوسف وامل المدرس وهالة عبد القادر ، والمذيعين كحافظ قباني ، موفق العاني ، مشتاق طالب ، غازي فيصل، بهجت عبد الواحد ، سعاد الهمرزي ، ونهاد نجيب عج بهم المشهد الثقافي ، فضلا عن ان الدراما الاذاعية كانت دراما تعتمد على الاستخدام الامثل للمؤثرات الصوتية والموسيقية وكان هناك مخرجون ابدعوا في نتاجاتهم الاذاعية كمهند الانصاري وحافظ مهدي ماجد ، محمد زهير حسام ، اضافة الى التنوع في البرامج وفق الظرف المتاح كبرامج ‘ صباح الخير ياعراق ، مايطلبه المستمعون ‘سكن الليل ، الفيروزيات ، و كان هناك دورة برامجية تحدد فيها البرامج بتوقيتاتها و هناك هيكلية قوامها مجموعة من الاقسام التي تمتلك الصلاحية الكاملة في صلاحية العمل من عدمها ، وهناك قسم الموسيقى والانشاد الذي تعاقب عليه فاروق هلال ، وديع خندة وطالب القرغولي ، كانوا معنيين باختبار الاصوات التي تخضع الى لجنة متخصصة لإختبار قدرة وقابلية أداء المطرب من ناحية الكلمات غير الخادشة للحياء ، واللحن ، وهناك قسم للتخطيط وقسم للمنوعات وقسم للدراما ، تتولى تكليف أحد المخرجين بأعمال فنية منتقاة من حيث الثيمة والحبكة .
ولايختلف الحال مع التلفزيون العراقي الرائد على مستوى الوطن العربي ولعل الكثير من برامجه تركت بصمات لاتمحى في الذائقة والذاكرة العربية ، منها برنامج ‘ الرياضة في اسبوع ‘ لمؤيد البدري ، وبرنامج ‘ العلم للجميع ‘ لكامل الدباغ ، والسينما والناس ، سينما الاطفال ، المرسم الصغير ، استراحة الظهيرة ، ناهيك عن تمثيلياته ومسلسلاته وكاريزما وإمكانات مقدمي نشراته الاخبارية وبرامجه التربوية .
* لك تجربة في مجال المجتمع المدني ماهو تقييمك لعمل تلك المنظمات ؟
ج – في الحقيقة شهدنا ظهورا لافتا بعد 2004 لمنظمات واتحادات للاسف كان بعضها حقيقيا وبعضها وهميا إبتعدت عن الهدف السامي الذي أستحدثت من أجله ، فيما نجحت أخرى في تحقيق أهدافها وتأهيل وتطوير الملاكات العاملة وتقديم خدمات جليلة للناس تتناسب وحاجة المجتمع وكان لي شرف تأسيس منظمات متعددة نجحنا من خلالها في تنظيم دورات ووورش عمل اعلامية وتنمية بشرية وقيادات ادارية وفن الاتكيت والعلاقات العامة والمخاطبات الادارية .
بإعتبارك أحد مؤسسي رابطة الفنانين التشكيليين العراقيين والخطاطين الشباب ،ما هي إسهاماتكم في هذين المجالين ؟
ج-الكل يعلم أن الشباب عماد المستقبل وهم القلب النابض فخططنا أنا ومجموعة من اﻷساتذة والفنانين من ذوي الإختصاص لتشكيل رابطة تجمع الشباب من ذوي المواهب والقدرات الفنية ، سواء كانت في التشكيل أم الخط والزخرفة لتفجير طاقاتهم وإحتضان مواهبهم فكان للفنانين الشباب الدور المتميز في ممارسة أعمالهم الفنية وأقمنا مخيما فنيا في ديالى وبابل وبغداد جهزناهم خلاله بالمستلزمات الفنية كافة واستثمرنا جمال الطبيعة لرسم اللوحات ومن ثم عملنا منها معرضا ﻻقى صدى إعلاميا واسعا ، وكذا الحال للخط الزخرفة إذ تسابق الخطاطون الشباب لإبداع لوحات جميلة مازجت بين فن الارابيسك والخط العربي بأنواعه المتعددة، الكوفي ، الثلث ، الرقعة ، النسخ الديواني ، الاجازة .
*انا مقاطعا …لقد سجلت الحركة التشكيلية في العراق منعطفا كبيرا على المستوى العربي والاقليمي والعالمي وأنجبت قامات سامقة طرزت تأريخ الفن بأحرف من نور ، برأيكم هل حافظ الفن التشكيلي على ألقه أم أنه قد شهد تراجعا شأنه شأن بقية الفنون ؟
ج – لقد عانى التشكيل بصفته فنا فرديا راقيا كبقية الفنون اﻷخرى من انحسار لعدة عوامل ، منها صعوبة نقل اللوحات والمشاركة بها في معارض عالمية ، اضافة الى اضمحلال دور وزارة الثقافة في دعم الفنان واغفاله ،كانت هناك في السابق معارض نوعية ومعارض شخصية ، وكل مجموعة ‘ كجماعة الاربعة ‘ على سبيل المثال تقيم معارض خاصة بهم ، فضلا عن وجود قاعات نابضة بالحياة كقاعة الصراف والاورفلي ،ولكنها تلاشت ما دفع الكثير من الفنانين الى الرحيل ، إما بسبب الضائقة المالية أوالظروف اﻷمنية ، الساحة الفنية العراقية ولادة أنجبت الكبار كالنحاتين جواد سليم ، بنصبه الشهير ( نصب الحرية ) في ساحة التحرير ، عبد الحميد سعيد ، اسماعيل فتاح الترك بروائعه النحتية ( تمثال معروف الرصافي، الشاعر عبد المحسن الكاظمي ، أبو نواس ، تمثال الرسام يحيى بن محمود الواسطي ) وكلها في بغداد ، وكذلك النحات محمد غني حكمت ، المتأثر بالنحت السومري والذي ابدع بوابة اليونسكو والامم المتحدة ، تِمثال شهريار وَشهرزاد ، اضافة الى نَصب كهرمانة وَسط بغداد، ونصب علي بابا والأربعين حرامي وجِدارية مدينة الطب وتمثال أبو الطَيب المُتنبي، وغيرها ، وكذلك النحات عطا صبري ، ونداء كاظم الذي نحت تمثال بدر شاكر السياب ، و تمثال أبي تمام في الموصل ، وتمثال الفراهيدي في البصرة، ومحمد ميران السعدي مبدع نصب ساحة النسور ، وسهيل الهنداوي ،وخالد الرحال بنصبيه الجندي المجهول وقوس النصر ، وعلاء الحمداني ، اما على صعيد الرسم فهناك أسماء ﻻمعة كفائق حسن ، حافظ الدروبي ، وداد الاورفلي ، ليلى العطار ، اسماعيل الشيخلي ، كاظم حيدر ، ومحمد الكناني وغيرهم الكثير .
وأنوه الى ظهور جيل ثان تتلمذوا على أيدي هؤلاء العمالقة وتأثروا بمناهجهم ، الواقعية والانطباعية والسوريالة والتكعيبية وغيرها ، محي خلفية تأثر بفائق حسن وأغلب لوحاته يغلب عليها منظر الخيول ، موفق احمد إختط طريقة جديدة لرسم لوحاته بالسكين ، ولكن ولشديد الاسف وعلى خطى أساتذتهم أضطر هؤلاء الى الهجرة والاغتراب لذات الظروف العصيبة – المادية والامنية – اضافة الى بعض التقاليد الاجتماعية التي قيدت حركتهم واثنت عزيمتهم .
* تلمست حزنا في بريق عينيك وحسرة تملأ صدرك وأنت تتحدث عن هجرة الفنانين وإغترابهم !
ج – ومن ينسى زملاء الدراسة والمهنة ممن أبعدتهم المسافات كرها أو طوعا ، كان وجودهم في العراق من شأنه ان يحافظ على ديمومة المتوارث عن جيل الجهابذة ليطوره وينقله الى الاجيال القادمة ، فمن ينسى أصدقاء مثل كنعان علي، بطل فيلم القادسية ، والنجم بهجت الجبوري ، و القيصر كاظم الساهر ، والموسيقار نصير شمة ،والرسام محمد فرادي ، والمخرجة سعاد السامر ، والمخرجة السينمائية سؤدد جورج ، وظافر وعاتكة الخطيب ، والمخرج المسرحي محسن العلي ، وحمودي الحارثي ( عبوسي ) ، والفنانة الاكاديمية فوزية الشندي ؟ !
*كتاب تقرأه بإستمرار ؟
ج – القرآن الكريم
* ماذا تمثل لك المرأة ؟
ج – المجتمع كله وليس نصف المجتمع كما هو متعارف عليه وانا من اكثر المدافعين عن المرأة على أن لاتفقد انوثتها!
* حكمة تؤمن بها ؟
ج – الحقيقة تجرح ولكنها لاتستنزف سوى الدماء الفاسدة؟
*رواية تعيد قراءتها ؟
ج – اﻷخوة كارامازوف لدوستويفسكي
* مثلك اﻷعلى
ج – أخي البروفيسور عبد الحميد القيسي ، فهو بمثابة والدي وأخي الكبير
* لو رشحت الى منصب ما في الدولة فمالذي ستحققه الى جمهورك؟
ج – ﻷنني جزء من الحالة التي يعيشها كل عراقي لم تنجح المغريات بدفعي الى غادرة بلدي الحبيب فقطعا سأناضل لكي أحقق تطلعات الجمهور وتلبية حاجاته وفق المتاح بما حباني الله به من حب للاخرين وخدمتهم ورعايتهم ﻷن المسؤولية تكليف لا تشريف ولذلك سأسعد عندما أمسح على رأس يتيم وأمسح دمعة أرملة وأرفع الحيف عن المظلومن وأعمل على متابعة قضاياهم بحسن العلاقات واستثمارها في إغاثة الملهوفين والتخفيف عن كاهل المهمومين وسأجعل من الكتاب ضالة الانسان مسترشدا بالحكمة التي تقول ‘ اقرأ كتابا تهزم 10 أعداء’ والعمل جاهدا على إختصار الزمن فأنا ضد الروتين كوني مؤمن بالإبتكار وإكتشاف المبدعين ورعاية الموهوبين في مختلف المجالات ، والعمل ﻷستحداث مدارس للمتميزين والمخترعين وبكافة التخصصات .
تأبطت أوراقي وحملت نفسي بعيدا وأنا أحث الخطى قدما تجاه مبدع آخر تزخر بهم بلادي ﻷسلط الضوء على الجانب المشرق من هذه اﻷرض المعطاء التي علمت البشرية القراءة والكتابة منذ فجر التأريخ برغم كل المحاولات الخائبة لإظهارها بوجه مظلم آخر غير ذاك البرىء الوضاء الحقيقي الذي تحمله واقعا .أودعناكم اغاتي