عبد الفتاح طوقان
خلال اقل من أسبوع تضاربت الانباء الحكومية، حيث نفت مصادر حكومية اردنية شائعة مرض رئيس الوزراء، الذي يعتبر شخصية عامة ، ونفت سفره لأداء تداخل جراحي خلال ساعات سريعة بعد زيارة لمستشفى الخدمات الطبية في العاصمة عمان، ثم عادت وأعلنت انه سيقوم بأجراء جراحة بسيطة في أمريكا، ثم عادت ونفت، ثم تحدثت عن إجازة خاصة، ثم ظهر الناطق الرسمي للحكومة بحديث مختلف يؤكد انها عملية بسيطة دون تعريف ماذا تعني العملية البسيطة من وجهة النظر الطبية، و قال ذلك على استحياء، الناطق الرسمي لينتهي الامر بتصريح رئيس الوزراء انه عائد والتحليلات الطبية إيجابية وسيجري العملية في الأردن. نشكر الله.
ولكن التساؤل في الشارع هل مثلا كانت النتائج سلبية في عمان مما استدعي السفر للتأكد؟، ومن يتحمل الخطاء في التحاليل أن كان ذلك صحيحا؟ الا يستدعي ذلك المسائلة؟ ، ام فعلا كان الوضع خطر يستدعي التدخل الأمريكي؟
ولنفترض انها إجازة خاصة كما ادعت الحكومة، من يدفع تكاليف سفر وإقامة مدير مكتب رئيس الحكومة في امريكا ومن رافقه من موظفي الحكومة، ان كان ذلك صحيحا؟
أن كل قرش ودولار تكفلت به الحكومة في زيارة خاصة يجب ان يعود الي الخزينة خصوصا بما يتعلق المرافق الحكومي.
في كندا اليوم طالب مجلس النواب رئيس الوزراء الكندي ان يدفع كافة مصاريف رحلته الخاصة وحراسته عندما ذهب لتمضية إجازة الكريسمس في البهاما مضافا لها الرواتب التي تقاضها وهو غائب، علما انه كان مدعو والرحلة مدفوعة، لان رواتب الرئيس وإجازاته من دافعي الضرائب، وطلب اليه ان يدفع الضرائب عن كل ما قدم له من خدمات مجانية او استضافة هناك. مثال يحتذي عند الحديث عن الشفافية والنزاهة.
هكذا تحاسب الضريبة الجميع بعدالة في كندا، وهكذا هي الديمقراطية وهكذا هو امتثال الرئيس لمجلس النواب الذي يمتلك به اغلبية. لم يتعجرف او يعترض رئيس الوزراء ولم ينزعج من أصدقائه اللذين تحدثوا عن اجازته الخاصة في البرلمان و منهم وزراء في حكومته، مطالبين إياه بالدفع، ولم يبح لنفسه ان يقول هؤلاء جماعتي لن يحجبوا عني الثقة مثلا، ولم يتدخل أحدا من الامن الكندي بالهاتف لثني أي من النواب من مناقشة ذلك علنا، بل كانت على شاشات التلفزيون خبرا عاجلا.
ولم يتم تكذيب أحد من النواب او اتهامه بانه يدعي ادعاء غير صحيح.
وعلى العكس من ذلك في الأردن التي حاولت التكتم والاخفاء، حتى الجرائد انقسمت بين نفي وتكذيب لمرض الرئيس من أحد الجرائد بمفردها والمعروفة انها ضمن مجموعة قليلة تحابي وتجامل وتتلقي التعليمات، بينما العديد من الجرائد تابعت بمهنية حسبما توافر لها من معلومات ولكنها لم تأت على هواء الحكومة التي ظهر انها مرتبكة تحاول إخفاء شيئا.
ورغم حقيقة ما حدث مع الرئيس معروف للبعض، الا أن هذا الأداء المضطرب للحكومة دليل اخر على تخبط الحكومة وضعف ادواتها الإعلامية وغياب الاحترام لعقلية الشعب الذي من حقه ان يعلم أن رئيس وزرائه بخير وانه قادر أن يعمل بشكل طبيعي. واتي ذلك الأداء الإعلامي الحكومي الهزيل ليضيف سببا جديدا لحجب الثقة عن الحكومة الاسبوع المقبل.
على الطاقم الحكومي ان يعي أن المشاهير هم الأخبار وكذلك ما يخص عائلاتهم، رؤساء دول وحكومات، سياسيين وفنانين ومغنين، لاعبي كرة قدم وبيس بول وغيرهم حياتهم تمس مصلحة الشعوب وتؤثر فيها خصوصا عندما يحدث شيء سيء لهم ولأقاربهم مما يؤثر عليهم وعلى أدائهم ونفسيتهم وقدراتهم على العمل بكفاءة.
فمثلا “قطع الرباط الصليبي” عند هداف منتخب كرة قدم في كأس العالم يهدد بمنعه من اللعب وحرمان فريقه من التأهل لنهائيات كأس العالم الذي هو حلم ملايين من أبناء وطنه، ومثال على ذلك ما حدث مع كريستانيو رونالدو الذي اضطره لإجراء عملية جراحية في باريس غيبته عن الملاعب والمشاركات ما يقرب من عام.
والصحافة الحرة هي دوما من تتابع و تنقل الاخبار عن المشاهير مثلما تحدثت الصحافة الاﺳﺒﺎﻧﻴﺔ عن ﻓﻠﻮرﻧﺘﻴﻨﻮ ﺑﻴﺮﻳﺰ رﺋﻴﺲ ﻧﺎدي رﻳﺎل ﻣﺪرﻳﺪ اﻹﺳﺒﺎﻧﻲ، الذي سافر الي شيكاغو ﻻﺟﺮاء ﻋﻤﻠﻴﺔ ﺟﺮاﺣﻴﺔ ﻓﻲ ﻋﻨﻘﻪ، و كان ﻳﻌﺎﻧﻲ رﺋﻴﺲ رﻳﺎل ﻣﺪرﻳﺪ ﻣﻦ ﻓﺘﻖ ﻓﻲ اﻟﻌﻨﻖ وأﺠﺮي اﻟﻌﻤﻠﻴﺔ ﻫﻨﺎك ﻓﻲ اﻟﻤﺪﻳﻨﺔ اﻷﻣﺮﻳﻜﻴﺔ و عن البابا شنوده عندما سافر الي أمريكا، والرئيس السابق لمصر حسني مبارك عندما سافر الي مستشفى هايدلبرج في المانيا، والملك الحسين عندما سافر الي مايو كلينيك،و المهندس جمال انورالسادات نجل الرئيس السادات عندما سافر لإجراء عملية في الفقرات في أمريكا.
تلك الصحافة التي نقلت بالتفصيل كافة الازمات الصحية التي مر بها الرئيس الأمريكي جيرالد فورد، وياسر عرفات عندما سافر الي باريس وغيرها كانت عناوين الصحف العالمية والمحلية تورد تفاصيل المرض والعمليات.
لسوء الحظ، عندما يصابون بالمرض، لا يوجد مفتاح لتحويل الأضواء عنهم او اغلاق مصابيح الانارة. حتى عندما يتم محاولة الحفاظ على الحالة الطبية للمشاهير سرية (والتي سرعان ما تتكشف مثلما حدث مع ماركوس في الفليبين الذي حاول إخفاء سرطان الكلي ولكن افتضح الامر عندما اضطر الي اجراء عملية جراحية لتغيير الكلي كتب عنها في نيو يورك)، فإن إخفاء حقيقة المرض والتكتكم بالنشر الإخباري يعود على الحكومة نفسها بالمشاكل التي لا يمكن التنبؤ بها بحيث تكون متلازمة تقريبا لسقوطها الأخلاقي وانتشار الاشاعات.
واقصد ان حقيقة أي مرض ايا كان درجاته ونوعيته يجب ان يعلن بشفافية، والا يترك للإشاعات، وان يعلن عن مقدرة المريض على أداء مهامه بصفاء ذهني، ومقدرة جسدية وعقلية صافية والتي هي من ابسط شروط الوظيفة أيا كانت درجاتها، فما بالكم ان كان المنصب رئيس وزراء.
هناك فرق بين المواطن العادي وبين المشاهير ومن هم في المناصب العامة التي اختاروها بأنفسهم.
لذلك قامت مصر، باتخاذ خطوة إيجابية، على سبيل المثال بوضع تشريع لإجراء فحص طبي على المرشحين لعضوية مجلس النواب وعلى الرؤساء كما تفعل الولايات المتحدة الامريكية.
و للدلالة اذكر هنا أولا فيما يتعلق بأعضاء مجلس النواب المصري أصدرت محكمة القضاء الإداري بمجلس الدولة في مصر عام ٢٠١٥ حكمها بإلزام مرشحي الانتخابات البرلمانية بإجراء الكشف الطبي، وتقديم شهادة طبية تفيد تمتعهم باللياقة البدنية والذهنية والنفسية بالقدر الذى يكفى لأداء واجبات العضوية، وأنهم ليسوا من متعاطي المخدرات والمسكرات، كما أوجبت تنفيذه بمسودته أي “بغير إعلان “، واعتبرت أن خلو القوانين المنظمة لشروط تولى السلطة التشريعية من الاشارة إليه أو النص عليه لا يعنى بأي حال من الأحوال استبعاده، بل واعتبرت المحكمة أن السكوت عنه تأكيدًا لاستقراره كأصل من الأصول العامة التي لا تحتاج إلى نص لتقريرها.
ثانيا فيما يتعلق بمنصب رئيس الجمهورية في مصر وبحسب التفاصيل المعلنة من جانب الهيئة الوطنية للانتخابات، في إطار برنامج الانتخابات الرئاسية 2018 التي ينطلق التصويت فيها خلال مارس المقبل، يتضمن توقيع الكشف الطبي على المرشحين للرئاسة عددا من الإجراءات والخطوات، من ضمنها توقيع الكشف الطبي البدني والذهني على طالب الترشح لمنصب رئيس الجمهورية بمعرفة الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة علي آن تعد الإدارة العامة للمجالس الطبية المتخصصة تقريرا طبيا بنتيجة الكشف الطبي البدني والذهني على طالب الترشح ويتضمن التقرير بيانا بما إذا كان طالب الترشح مصابا بمرض بدنى أو ذهني يؤثر على أدائه لمهام رئيس الجمهورية من عدمه. ويعلن ذلك للشعب.
واقصد ان تلك الاجراءات هو ما يجب ان يحدث و يتبع في الأردن و مع رئيس الوزراء تحديدا حال عودته على ان تعد الخدمات الطبية ولجنة من الأطباء المتخصصون الأردنيون تقريرا طبيا بنتيجة الكشف الطبي البدني والذهني عليه بعد مراجعة التقارير الطبية المعتمدة قبل سفره وبعد عودته من الولايات المتحدة والتي صرح من خلالها رئيس الحكومة ان النتائج إيجابية، ( الحمد لله ، شافاه الله و عافاه) .
وأن تعلن النتائج على الملء وذلك لدرء الاشاعات وحتى تكون بداية شفافية ووضوح وسابقة للتعامل مع قضايا مشابهه، وتأكيد على قدرته العودة لممارسة مهامه دون التأثير عليه أولا وعلى الأداء الحكومي ثانيا بشكل رسمي لا يقبل الشك. والا يسمح له بالعودة الي ممارسة عمله رئيسا للوزراء الا بعد صدور التقرير الطبي.
لا داع بتاتا لإخفاء شفاء رئيس الوزراء من أي مرض أو – لا سمح الله – حقيقة ما أصابه ان كان، ومدي امكانية استمراره في عمله بكفاءة مئة بالمئة من عدمه فقد يحتاج الي راحة قبل و بعد العملية الجراحية.
وعودة الي قضايا مشابهة في أمريكا قال أطباء أمريكيون اثناء حملة المرشحة للرئاسة الامريكية هيلاري كلينتون انها تحتاج الي الراحة بعد تشخيص إصابتها بالتهاب رئوي، وكتبت الصحف إن مثل هذا الالتهاب الرئوي خطير قد يؤدى إلى الوفاة ما لم يعالج بطريقة صحيحة. وأشاروا إلى أنه يتسبب في تسرب سوائل إلى الرئتين مما يجعل المريض غير قادر على التنفس جيدا ويصاب عادة بالحمى، وأوضحوا أن هذا المرض يسببه فيروسات وبكتيريا وأحيانا فطريات أو قد ينجم عن استنشاق أبخرة سامة. ودون اختبارات مكثفة، فإنه من المستحيل التعرف على سبب إصابة كلينتون بالمرض.
فلماذا لا تقوم الأجهزة الطبية بالاقتداء بذلك وتوضح كافة تفاصيل المرض او ما تم الاشتباه به وما حدث قبل أن يعود الرئيس لتولي مهام منصبه؟، ولماذا تصر الحكومة على ” المغمغمة” والضبابية؟، وما مصلحة الحكومة في ذلك؟
الاخلاقيات في التعامل مع الشعب اهم من الكذب عليه واستغفال عقليته وادراكه، لان إخفاء الحقيقة يساعد على استشراء الفساد الفكري والأداء الإداري على المستوى الوزاري بأكمله.
لمن يريد هناك أكثر من موقع خاص على الانترنت به كافة تفاصيل وأنواع الامراض التي اصابت المشاهير أمثال جون كينيدي، محمد علي كلاي، ما وتسي يونغ، كاسترو، ماركوس وهاري ترومان الرئيس الثالث والثلاثون لأمريكا وغيرهم، وكيف تمت المعالجة او الوفاة بما فيها من تم اغتياله منهم ونتائج التشريح ان تم.
لم يعد العالم يعيش في الظلام ولا يقبل بطيور الظلام التي تحاول تكميم الافواه والنيل من الشعب ومن عقليته وخنق روح السلطة الرابعة و التعدي علي السلطة التشريعية و حقها في المحاسبة.