دندراوى الهوارى
الدولة العثمانية تسببت فى تراجع وانهيار مصر فى مختلف المجالات لمدة تزيد عن ثلاثة قرون، منذ بدء احتلالها عام 1517 وحتى قدوم محمد على وجلوسه على مقاعد الحكم عام 1805 واستمرار مصر كولاية تابعة للباب العالى، وإعلان الانفصال التام عام 1867.
وما صنعه العثمانيون فى مصر طوال 300 عام كاملة، جريمة كبرى، عطلت البلاد عن ركب التقدم والازدهار، وساءت أحوالها الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وانطفأت كل مشاعل التنوير، وتراجع تعداد مصر حينها من 9 ملايين مواطن إلى مليونين ونصف.
وأرجع ابن إياس، فى كتابه «بدائع الزهور فى وقائع الدهور» سبب تراجع تعداد السكان بهذا الشكل المذهل إلى الحالة الاقتصادية الكارثية، وعدم قدرة المصريين على الزواج، نتيجة فرض ضرائب باهظة على الزواج والطلاق.
وقال ابن إياس نصا: «فصار الذى يتزوج أو يطلق تقع غرامته نحو أربعة أشرفية، فامتنع الزواج والطلاق فى تلك الأيام، وبطلت سنة النكاح والأمر لله فى ذلك».
كما أكد ابن إياس فى كتابه أيضا أن العثمانيين ابتدعوا وظيفة جديدة اسمها «مفتش الرزق الجيشية» منوطة بالبحث فى دفاتر ووثائق ممتلكات المصريين بكل فئاتهم، والاستيلاء عليها ظلما وعدوانا، ويقول فى نصا: «وحصل للناس منه الضرر الشامل، فلا حول ولا قوة إلا بالله العلى العظيم».
ولم يقتصر الأمر عند حد ارتكاب كل هذه الجرائم المشينة فى حق البلاد والعباد، وإنما ارتكبوا جريمة أخطر، تمثلت فى تفريغ مصر من عقولها الماهرة علميا وفنيا فى 53 مهنة، ما أدى إلى انهيار هذه المهن فى مصر، وازدهارها وتقدمها فى تركيا، علاوة على أن حياة المصريين أصبحت بلا قيمة، ويمكن لعسكرى تركى أن يقتل مصريا فى أية لحظة، ويختطف أى امرأة واغتصابها علنا حتى فى المساجد!!
إذن، تركيا، ومنذ تأسيسها، وهى تنكل بمصر، أيما تنكيل، وترى فيها فقط بقرة حلوب، يجب حلب ضرعها حتى ينزف دما وتتعرض للموت، لذلك تجد بلطجة الرئيس التركى الحالى، رجب طيب أردوغان وعداءه الشديد لمصر، مستمدا من كراهية أجداده، وما صنعوه كغزاة محتلين ببلادنا.
وخلال الساعات القليلة الماضية أظهر أردوغان، طمعا وجشعا فى ثروات مصر، وتحديدا اكتشافاتها من الغاز، حيث خرج علينا وزير خارجيته «مولود جاويش أوغلو» بتصريح لا يمكن تفسيره وفهمه ووضعه إلا فى خانة التهديد والوعيد لمصر، وتصعيد الحرب الكلامية، وإظهار النوايا العدائية، عندما أكد أن بلاده تخطط لبدء التنقيب عن النفط والغاز شرقى البحر المتوسط فى المستقبل القريب، معتبراً أن التنقيب عن هذه المصادر وإجراء دراسات عليها يعد حقا سياديا لتركيا، واصفاً الاتفاقية المبرمة بين مصر وقبرص عام 2013 بهدف استغلال المصادر الطبيعية الممتدة فى المنطقة الاقتصادية الخالصة لهما شرق البحر المتوسط، لا تحمل أى صفة قانونية.
وهنا تصعيد واضح، وطمع شديد فى ثروات مصر، عقب المشاهد المبهجة التى شاهدناها جميعا فى حقل ظهر، أثناء قيام الرئيس عبدالفتاح بافتتاحه مؤخرا، ونقلته وسائل الإعلام المصرية والدولية، بجانب تكثيف جهود مصر فى التنفيب والبحث عن البترول فى هذه المنطقة، لذلك كان للخارجية المصرية موقف حاسم، من خلال الرد القوى أمس على تصريحات وزير خارجية تركيا التى لا يمكن وصفها سوى بالبلطجة.
رد الخارجية المصرية كان قويا وواضحا، واعتبار أن أى مساس بالسيادة المصرية مرفوضة، وسيتم التصدى لها، وأن اتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر وقبرص لا يمكن لأى طرف أن يتنازع على قانونيتها، حيث إنها تتسق وقواعد القانون الدولى، وتم إيداعها كاتفاقية دولية فى الأمم المتحدة.
المدهش أن تحرش أردوغان بمصر، للسيطرة على ثرواتها النفطية فى منطقة شرق المتوسط يسير بالتوازى مع تحرشه بالمملكة العربية السعودية، ومحاولة تدويل قضية الأماكن المقدسة، وانتزاع الإشراف عليها، لتصبح تركيا لديها اليد الطولى فى الإشراف على الكعبة وباقى الأماكن المقدسة، وهى أحلام وردية، وطموحات وقحة ومريضة، معتقدا أن الزمن يمكن أن يعود من للوراء من جديد، وتصبح دول الخليج ومصر تحت الولاية التركية، والتحكم فى مصير شعوبها، والاستيلاء على ثرواتهم، ويصبح «البلطجى» خليفة المسلمين.
من هنا، ندرك أن القيادة المصرية كانت تتمتع بقريحة قراءة المستقبل، وإدراك المخاطر، فقررت إعادة تأهيل القوات المسلحة، تدريبا وعتادا، خاصة القوات البحرية، لتصبح درعا قويا لحماية ثرواتنا فى البحار.
ومن حقنا، وفى ظل هذه الأحداث الجارية أن نصرخ بصوت صاعق فى وجوه البرادعى وعصام حجى وصباحى ونشطاء الغبرة والهم والغم، ونقول لهم: «أدركتم لماذا نسلح جيشنا بالأسلحة المتطورة؟ لذلك نطلب منكم الصمت، والخرس، لأنكم أثبتم بكل الأدلة والبراهين، إنكم نكبة مصر الحقيقية، وأجهل من دوابها، وليس لديكم قدرة وحنكة لإدارة مركز شباب وليس دولة..!!